هناك أحاديث تذيب الأرواح فتهلكها ظمئا حتى لو كانت تنمو فوق ضفاف الأنهار، كحديث بطلتنا غزالة وصديقتها بشرى اللتان تجمعهما وحدة ألم……..
ريمة الخطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
تقول غزالة، وقد عرفت ما ترمي إليه بشرى:
تقصدين أن تبقي على علاقة به بدون أن تتزوجا؟! نعم، برغم أنني أموت شوقاً لزواجي منه، والالتقاء به زوجاً، وحبيباً، يضمنا بيت واحد.
تقول هذا، وتفيض عيناها دمعاً، فتقترب منها غزالة أكثر، وتضمها، وتشاركها البكاء فهي تعلم أن أبو عزو، هو الفرحة الوحيدة في حياة بشرى، وأنه من يصبرها على تحمل ظلم وغبن أمها، وأختها، وكل من يلومها على كونها من الأشخاص ذوي الإعاقة.
فكم حكت لها بشرى عن كلماته الحنونة، التي كانت تمسح من عينيها الدموع، وعن اهتمامه بها، وبكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، وعن خوفه عليها، حين كانت تمرض، وانتباهه لتغير لون وجهها وشحوبه، بالوقت الذي لم ينتبه لذلك من يسكنون معها في نفس المكان.
فقد جذبها إليه بإحساسه بها، رغم بعد المسافات بينهما، وبحبه لها الذي كان يصدح بأصوات كتغريد البلابل في دنياها الخرساء، لذلك تخشى رحيله عن حياتها، خوفاً من عودة الوحدة، والجفاف، والقحل لحياتها، التي أينعت ربيعاً وشباباً، وحياة بعد موت طويل بوجود حبيب كأبي عزو، لم يرَ في بشرى ما يراه الأهل، والمعارف، ويبثُّونه سمّاً بوجه كل راغب ببشرى، كزوجة، وحليلة، وأمّ لأطفال، سيكونون بجمال، ورقة بشرى الرقيقة.
أبعدت بشرى رأسها عن صدر غزالة، وقالت، وهي تشهق ببكائها الشجي:
لا أستطيع العيش بدون وجود أبو عزو في حياتي، لن أقوى على تحمل ضيم من حولي يوماً بدونه. قالت غزالة مؤكدة على كلامها: أعلم ذلك، أعلم أنك لن تقدري على تحمل العتمة، بعد أن أضاءت حياتك محبة، وعشق أبي عزو لك، أنا لا ألومك.
وصمتت غزالة، لتتابع حديثها في سرّها:
_لا ألومك يا صديقتي، فما وجدناه عند حبيبينا، لم نجده عند من هم من لحمنا ودمنا!
ثم سحبت جسدها بعيداً قليلاً عن بشرى، وضعت وسادة فوق وسادة، واتكأت عليهما، ثم نظرت لبشرى بعينيها اللتين ترقرق بهما سيل من دموع، فقد حزّ في نفسها أن تلامس روحها كلمات الغرباء، في حين أن الأقارب، لم يكن منهم يوماً موقفاً رحيماً بحكم قرابتهم، فجميعهم كانوا ينظرون لها ذات النظرة، التي تخترق القلب كرصاصة من سعير، فلم ترَ يوما في العيون إلاّ نظرة الشفقة على تلك العاجزة، التي لا يتذكرونها إلا أوقات تأدية الصدقات، وأموال الزكاة، حيث كانوا يعطونها بعضاً منها، فهي من المساكين في أعينهم، ممن تجب عليهم الزكاة.
أما هي فبرغم حاجتها الشديدة لفتات أموالهم، إلا أنها كانت تخاف هذه المواقف وتتهيبها، فهي تشعر بالإحراج حين كانت تمد يدها، لتأخذ مالاً كان الأولى أن يكون نفقة أهلها عليها، وليس مال زكاة، فكم كانت تطبق بكفيها على الأوراق النقدية خجلاً لتتعرق يدها، وتغدو النقود طرية بهذا الفعل، ولذلك كانت تحاول جاهدة البحث عن عمل تستطيع القيام به بوضعها الصحي، كي تلغي هذه النظرة لها من الجميع، فمنذ أن نضجت وفي داخلها صراع بقاء لم يتوقف بين إحساسها بأنها شخص قادر على العطاء، والعمل، والبذل، وبين أفكار أمها المتخلفة القادمة من عصور ما قبل التاريخ، والتي كانت تترجمها لأفعال ساعية لأن توهمها بأنها (لا شيء)، وأنها كائن طفيلي يتغذى على جهد الآخرين!!
ماتستطيع أن تتحمل ظلم أمها وأن تخفيه عن أبيها الذي سيفتح جبهات قتال من أجلها.