تلك الذكريات التي تحملنا على أجنحة من حنين وألم توقظ فينا أحاسيساً من شجن ضمنتا يوماً بين ثناياها الموهنة..

0 119

مازلنا مع غزالة في رحلة الشقاء وأحداث جديدة…

ريما خطاب| شبكة مراسلي ريف دمشق

بعد إرهاق جسدي، وفكري كبيرين استطاعت غزالة أن تغرق في النوم، منتصرة في عراكها مع القلق، والأرق، لكنها محكومة بتراكض الأحداث، وتقلب الأمور، وتغير الأحوال السريع والمفاجئ.
ها هي، ولأول مرة ترى نبض القلب المسافر في سراديب الغياب، وحبيب الروح في منامها، جاء كاسراً قواعد المنطق، وحارقاً لمسافات السقم، ليخبرها أنه لابد للقلوب العاشقة أن تجتمع في عوالم لا تخضع لقوانين البشر الحاكمة بقبضة من جفاف، ليذيب جبال الجليد بحرارة قبلة زرعها على الشفاه العطشى، لحب اغتالته تصاريف الأيام، وتركت أهله في متاهات الأفلاك صرعى يحتضرون!
ها هي غزالة ترتدي معطفها البني، وتلف رأسها بشالها الأبيض، هدية بشرى لها، التي مازالت تعبق فيه أشواقها ليوم عشق تقضيه مع حبيبها أبي عزو، حملت حقيبتها الصغيرة، التي وضعت فيها جواز سفرها، الذي تغيرت وجهته بفعل مشيئة القدر، فها هو أول توقيع سيوضع على أوراقه سيكون على الحدود التركية، لا كما خطط له أن يكون للسفر إلى المملكة السعودية، حيث أخوها سيف الذي كان في أول رحلة المخيمات المفر الوحيد من الحياة في أديمها القاتل.
ما كانت تتوق إليه غزالة، ليس التكريم، واستلام الجائزة، فهذا لا يعني لها بقدر ما يعني لها ذلك الموعد مع الحب، مع توأم الروح، وشغف الفؤاد، موعدها مع جاسم، فقد وعدها الأستاذ أحمد بمرافقتها بعد الانتهاء من الحفل، إلى المشفى الذي يتلقى فيه جاسم علاجه، لتطمئن عليه، وتطمئن بدورها زوجته وأولاده المزعومين.
أخرجت معطفها القديم الجديد الذي اشترته منذ سبع سنوات، حين كانت تهيئ نفسها للسفر إلى السعودية، حيث سيف يحاول أخذها لعنده، وعلى هذا الأساس، أخرجت جواز السفر، ذلك المعطف البني، والذي اختارته من قماش الكتان الرقيق، فهي لا تحب ارتداء الملابس الثقيلة، التي تعيق حركتها أكثر، حين اشترته انتقته بعناية فائقة، فهو غالي الثمن، وسيبقى معها طويلاً، وسيطير معها على أجنحة الطيران التركي السعودي، كما كانت تظن وتنوي، حين ارتدته لأول مرة، وهي المرة الوحيدة، فهي كانت تريد أن يبقى بزهوته، كما كانت تقول، حين تسأل لماذا لا تلبسه، بدل عباءتها السوداء، التي باتت مهترئة من كثرة الاستعمال، أعجب الجميع به وعلقوا بما يزيد حبها لهذا المعطف، الذي أبقته سنيناً حبيساً في كيس بلاستيكي على طوله، معلقاً في خزانتها.
انتبهت لانتفاخ جيوبه، فبدأت تخرج تلك المحارم، التي كانت قد نسيتها طوال تلك الفترة فيه، كما نسيت المعطف، أو تناسته، لتنسى أنها فشلت بالهرب من جحيم المخيمات والسفر به لعند سيف، بل ولامت نفسها والظروف، وحتى أنها لامت ملك السعودية الذي أصدر قرار عدم قبول طلبات زيارات الإخوة.
بينما هي تخرج المحارم سقط شيء من بينها على أصابع قدمها، انحنت لتعرف ما هو!، شهقت وقالت متفاجئة:
_ياااه، إنها العشر ليرات!، العشر ليرات التي أعطاها أبو ماجد لابن أخيها.
أبو ماجد المعالج الفيزيائي، رئيس الفريق الجوال الذي يشرف على حالات المصابين، والأشخاص أصحاب الإعاقات بشكل دوري مرتين في الأسبوع، ويعطي التعليمات ويعلم البعض تمارين تفيد حالاتهم الصحية، ويقوم بتحويل الحالات الحرجة لمشافي تشرف على علاجها، ويقدم بعض المساعدات البسيطة للمرضى، كعكازات، أو كراسي بعجلات، أو أربطة مطاطية طبية، وأحياناً بعض الأدوية بما يتيسر وجوده في المركز المتخصص في قرية (عقربات).

قد يعجبك ايضا