عبثاً نحاول رسم أقدارنا، نخطط لكل قادم نرجوه، نعمل ونجتهد ونكافح للوصول لغايتنا، نرنو لما نريد أن نكونه..

0 136

أحداث جديدة من قصة غزالة في جزء اليوم..

ريما خطاب| شبكة مراسلي ريف دمشق

لم تستطع غزالة حضور الاجتماع الذي عقد في مكتب الشبكة، لحضور حفل إعلان الفائزين عبر الانترنت، فاعتذرت بسبب وضعها النفسي المتعب بعد مقتل صديقتها الحميمة بشرى.
على أرض غرفة المحامل، رمت بجسدها الذي تتالت عليه نوائب، وأهوال فعلت به ما يفعل إزميل النحات بقطعة حجر هشة، تسمرت عيناها بسقف الغرفة، وأنفاسها تخرج من صدرها بصعوبة، وكأنها تصعد جبلاً بأحمال ثقيلة، مّر شريط أحداث حياتها أمام عينيها على السقف، وكأنها تشاهد فيلماً على شاشة سينما، أم جابر، ووهم أمومتها، وسلسلة تعذيبها معها، سقوط أقنعة المحيطين بها، ظهور جاسم فرحتها، وأرجوحة أنوثتها المخطوفة، بشرى، وذبح الغرام البريء الطاهر، وتفاصيل صغيرة دقّت بأبواب روحها مساميراً من شجن لن يفارقها مدى الحياة.
صوت جوالها ينبهها باتصال مع أصوات رسائل عديدة في آن واحد، لفّها رعب غريب، فبعد أرتال الأحداث المريعة التي تناوبت عليها، باتت تتوجس من أي شيء، وتفترض حدوث سوء سيسبب لها جرحاً جديداً، فتحت الخط بسرعة البرق، ودون أن تقرأ اسم المتصل، فعيناها لم تعد تخضع لتكاليف عقلها.
جاء صوت المدير كريحٍ مسرعة في صحراء شاسعة.
مدير الشبكة رجل في سن السادسة والستين، لا يشبه ابنه الأستاذ احمد لا شكلاً ولا أخلاقاً، هو رجل عصامي يحب العمل والنجاح في كل ما يفعله، أما علاقته بغزالة فهي رسمية جداً كأي علاقة رب عمل بموظفة:
_لقد فزتِ بالمرتبة الأولى، مبارك فوزك أيتها المبدعة، سمعت هذا الكلام المتخم بأفراح، وانتصارات عظيمة لم تسمح لها مرارة ما تقاسيه أن تفكر، وتتوقع هذا الفوز.
مشاعر متناقضة تزاحمت داخلها، فرح وحزن، فقد وغياب، حلم فتح ذراعيه لها بعد زمن من جهد، وإصرار لتحقيقه.
يا إلهي ماذا يجري؟! ما الحكمة في لعبة التوقيت هذه!
في أيام قليلة، يعود حبيب راحل دون أسباب، ثم يعود لمتاهات الغياب قبل أن أراه، وفي ذات الأيام تذبح صديقتي المقربة الوحيدة، وأفوز بجائزة تعلِن رسمياً للعالم أنني موجودة، رغم الحروب، التي شُنت علي، لتلغي هذا الوجود!
ماذا يحدث؟! … هل تستطيع ذاكرتي تخزين واستيعاب كل هذا؟ … وهل ألومها إذا فشلت بذلك!
شهيق، ثم زفير، وتنهيدة تبعتهما محاولةً لتمالك أعصابها الحائرة، فتحت الرسائل الكثيرة المهنئة لها بفوزها بمبلغ كبير سيكون فاتحة لأعمال جديدة مع جهات ومنظمات يتمنى الجميع أن يتعاملوا معها.
عبثاً نحاول رسم أقدارنا، نخطط لكل قادم نرجوه، نعمل ونجتهد، ونكافح للوصول لغاياتنا، نرنو لما نريد أن نكونه، نسعى بكل ما أوتينا من عزم، من صبر، من إقدام، نسير في طرقات ملأى بقاتلي الأحلام، ولصوص الثقة، وخونة العهود، نتعارك مع مغتصبي الأماني والأفراح، نثبت عند المطبات الإنسانية، ننهض بعد كل سقوط على صخور المعوقات، نستجمع أنفاسنا المبعثرة على أرصفة الحقيقة، ونتابع المسير نحو أملٍ ما، نحو فرح ما، نحو حلم ما.
هو صباح جديد يعلن ديمومة الحياة واستمرارها.
دخلت غزالة مكتبها، وطيف حزن يمشي بخطوات واثقة مع خطواتها المتعبة من سقمٍ وقهر، وضعت حقيبتها على الطاولة، جلست على تلك الأريكة الطويلة، تأملت محتويات المكتب، طاولة كبيرة توزعت عليها بعض الدفاتر والأوراق وجهاز حاسوب، والكثير من الأقلام، خلف الطاولة كرسي كبير، أريكتان وكرسي، ومكتبة صغيرة ضمت بعض الكتب، والمجلدات، ونافذة كبيرة مطلة على الشارع العام، اعتلتها ستارة بيضاء برسومات نافرة بذات اللون.
كانت غزالة تعتبر هذا المكتب دنياها الجديدة، التي خلقت فيها غزالة بهيئة جديدة، في هذا المكتب حققت معظم أحلامها، ووضعت أقدامها في مكان ثابت، وصنعت لنفسها اسماً لامعاً في عالم الأعمال، والتصميم، لذلك فهي تحبه ببساطته، التي لم تشأ تغييرها، والاستغناء عنها بمكتب أكبر، وبأثاث جديد فخم، فكل قلم، وورقة، وكل كرسي، وطاولة فيه، لها ذكرى جميلة في قلب غزالة.
أما تلك اللوحة الزيتية، التي تصدرت حائط المكتب فوق رأسها، فقد كانت بوابة الأحلام، التي طالما دخلت منها غزالة لعوالم مبهجة تضج بالسعادة والفرح، كم أمضت من أوقات تتحدث مع حبيبها عن أيامهما التي سيعيشانها بألوان هذه اللوحة الساحرة!! كم بنيا معاً قصرهما الزوجي بأطياف من عشق ملون بألوان قوس قزح، ألوان كألوان ورود هذه المزهرية المتربعة على عرش جمال أبدعته أنامل الحب، ولونت زهوره باللون الأصفر المشع كشمس صباحات ربيع غرام غزالة وجاسم، وأحمراً كلون شوقهما في ليالي الهيام المثقلة بندى المسافات في شتاءات الوله، و لون الليلك الصارخ بما في الكون من ود معتق في خوابي شغف عشاق الحب العذري، أما اللون الأخضر الزاهي فقد أينع وريقات زنبق ملساء ناعمة كأصابع أطفال لعبوا تحت فيئها، وداعبوا ببراءة الطفولة المخبأة بين تصاريف قادم ضبابي الملامح، أمومة غزالة التي نمت، وكبرت بين أطفال لم يخلقوا بعد، وحبيب طفل سيأتي معهم يوماً ما من عالم المعجزات!

قد يعجبك ايضا