مازلنا نحلق مع بطلتنا غزالة في عوالم من ألوان قوس قزح تلجها لأول مرة وتخوض فيها ماكانت تسمع عنه في حكايات العشق العتيقة……….
ريمة الخطاب| شبكة مراسلي ريف دمشق
لقد جاء هذا الحب ليكسو عري روحها المغتصبة، ويستر عورات النفس المستسلمة لمغتصبها الآثم، الذي أفقدها عذريتها على مرأى من الجميع دون أن ينتفض أحد لانتهاك حرمة الأرواح والأجساد!
في صباح يوم شديد الرياح أقلقت جميع سكان المخيم الذين هبوا لبدء يوم جديد من مسيرة أيامهم المتشابهة في شعاب العالم الأزرق الجديد، الذي حط بثقله على أنفاس صدور لم تعهد أبداً عالماً كهذا العالم، أضاءت شاشة جوال غزالة رسالة من حبيبها:
حبيبتي لم أعد أحتمل أتون شوقي لرؤياك، يجب أن تطفئي هذا الشوق بلقاء عاجل. سقط الجوال من يدها، التي ارتعشت كطير خرج من ماء بارد، وراح ينفض عن ريشه قطراته. غزت جسدها حرارة مفاجئة نقلته لمكان لم تعرف له عنوان، فقط كانت تشعر بدفئه الحميم يعلن سلطته عليها بعد أول جولة هيام. راحت تلتفت حولها كمذنبٍ خائف أن يراه أحد، وهو يقترف ذنباً عظيماً عقابه الموت شوقاً! سَرّها أن أمها تقوم بأعمالها التي لا تنتهي في غرفة بعيدة عن مكانها، وأن زوجة أخيها عبد الله لم تخرج بعد من غرفتها. وزيد مازال غارقاً بنوم عميق رغم كل الضجيج حوله فهو يسهر كثيراً. للوهلة الأولى شعرت بأنها آثمة، وقد فعلت ما يغضب الله منها، وهي التي راعت وجوده في أصغر تفاصيل حياتها، فلم تكن تضع مساحيق التجميل على وجهها، ليس فقط خوفاً من أمها التي كانت تمنع ذلك بشدة دون أن تنطق بكلمة واحدة، بل كانت تقول: لماذا أتزين؟ … ولمن؟!… إذا فعلت ذلك سأغضب الله، لكنني حين أتزوج، سأشتري ككل الفتيات أفخر أنواع المكياج، وسأزيد من جمالي بوضع أحمر الشفاه على شفتيّ المنفوختين كحبات الكرز، وسأمدد سواد الكحل بين جفنين كليل كالح يؤطّر عيني الواسعتين، وسأجعل من حمرة الخدود موجاً أحمر يتلاطم على وجنتي، ليشعل لهيب من فعلت كل ذلك لأجله، أما ندبتي هذه فسأغطيها بمساحيق خاصة بتلك الأمور، أليس هناك ما يخفي العيوب في بشرة الصبايا!
وسأعطر جسدي بعطر ذي رائحة تجعل من يشمها يضيع بين تضاريس جسدي، مياس القوام، فيستسلم لرغباته، ويلقي بأسلحته دونما مقاومة!
كانت دائماً تناجي الله في صلاتها، وتقول:
إلهي قد تركت الحرام رغم قوة سطوته، فارزقني إياه في الحلال. عادت بنظرها لجوالها الملقى على وسادتها كطفل نائم بأمان قرب أمه، حملته، وفتحته، فشردت بأحرف رسالة جاسم، أعادت قرأتها، وابتسمت ابتسامة أنثى ارتفع مستوى الثقة بأنوثتها المتدفقة كسيل من فوق جبل عال، في رسالة رجل اشتعل شوقاً لرؤيتها، إحساس جديد وافد لحياة جافة كصحراء لا تزورها غيمة، أو سحابة. أغمضت عينيها، وقالت في سرّها: ماذا أجيبه؟ … أنا أيضاً أحترق شوقاً لرؤيته، لكنني لن ألتقي به هذا مستحيل، لن أقدم على الخطأ، وأنا التي ما أخطأت يوماً.
سارت قوافل ذاكرتها نحو الماضي، حين كانت تسمع بعض القصص، التي تحدث بين شاب وصبية، التقيا في عتمة لهيب شوق أحرقهما، بعد أن أسعدهما لدقائق بنقطة وصال ماتا انتشاء بها!
كم كانت تخيفها هذه القصص، وكم كانت تحسد، وتمقت فاعليها في آن معاً!
وكم كرهت كل من تفوَّه بالسوء عن عاشقين قُتلا جوراً، فقط لأنهما انصهرا بأبدية الحب!
كيف ألتقي به، وأنا لا أملك السلطة على قلبي؟!… بل ولا أستطيع منعي من أن أتلاشى به، ومعه! لا لن أفعل، سأصبر على التمسك على ما عشت، وتربيت عليه طوال حياتي. قررت غزالة أن ترفض طلبه، وتعتذر بلباقتها المعروفة عنها، وتبقي لهذا اللقاء الحميمي قدسيته، حيث مكانه الطبيعي برغم ما تقاسيه من وله لحدوث ذلك اللقاء السرمدي! أخذت نفساً عميقاً، وكتبت: حبيبي الذي لم يحتل قلبي غيره، دعنا نترك لقلبينا أن يعيشا مراحل غرامنا دون أن نسمح لغرائزنا بتشويه هذه المشاعر النقية.
جاء رده بصوت أضرم نيران شوقها من جديد، وبقوة أكثر:
هي ضمةٌ بين يديك لثوان يا حبيبتي، أريد أن أخلع بها عباءة حزني الذي ينهشني كوحش مفترس، أريد أن أتلذذ بالأمان بين ذراعيك فإني أفتقده منذ طفولتي. أطفأت الجوال، وأخذت بالغطاء تسحبه، وتغطي به رأسها الذي اشتعلت به حرائق جارفة. بعد دقائق من العتمة تحت الغطاء هبت بسرعة، جلست وفتحت الجوال، كتبت: أرجوك لا تأخذني من نار العدم لنار الحياة فجأة، دعني أخرج للحياة خطوةً خطوة معك، أمسك بيدي، وخذني إليك كما أنا، كما عرفتني، ودعني أكبُر تحت وصاية حبك طفلة خلقت يوم أحبتك.
كان ردّه:
_أكثر ما شدني إليك تلك الطفلة فيك، التي لم تكبر بعد، حسناً يا طفلتي المدللة، لن يكون إلا ما يرضيك.
لقد أقام رده هذا حفلاً من أهازيج، وأفراح كبيرة، بدت واضحة على وجهها الذي أشرق صبحاً جديداً مشعًا بالحب والحياة، حفلاً كتلك الحفلات التي تقام في المملكات العظيمة حيث كل شيء يغدو سعيداً حتى الجماد!
نفضت عنها غطاء نومها، وقامت تخطو نحو خزان الماء، فتحت صنبوره، وضمت كفيها لبعضهما، وملأتهما بما استطاعا من ماء، وبرفق رشقت به وجهها المبتسم، لتضرب قطرات الماء وجهها بحنان، ولين، فتكون ردة فعل عينيها أن تغمضا، لتتجنبا ذلك الهجوم المحبب، أعادت الكرة مراراً، وكأنها تداعب طفًلا صغيراً استيقظ توّاً، وراح يشاكس ببراءة.
لقد ملكت الدنيا بعد أن سرقت منها، وسلبتها بجميعها، حب واهتمام جاسم أعطى لحياتها رونقاً، وزهواً، وسعادة غامرة، أشياء حرمت منها منذ الأزل، كانت تراها على رفوف حياتها مبعدة مقيدة، ترنو إليها ولا تطالها، كمريض بجسد مشلول كلياً، ممددٍ على سرير بقربه دواؤه، ولا يستطيع أن يتناوله!