ريما خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
لم يتجرأ على الاقتراب من خيمته التي صدر منها صوت الصراخ الممزوج بالألم، مثل العادة،
فشراسته وفظاظته المشهور بها جعلت كل من يعرفه ينفر منه، ويتجنبه.
صَدَّام الوافد حديثا للمخيم مع من هجر مؤخرا من المنطقة الشرقية، هو وزوجته، التي لم يرَها أحد خارج الخيمة قط، فمذ سكنت خيمتها منذ شهرين لم تخرج منها.
عرف الجميع أن صداما شرس المراس، صعب المعشر، وعدم اختلاطها بالجيران، كانت بأوامره،
أما ليلى زوجته فقد تحدثت عنها الجارات اللواتي قمن بزيارتها، بأنها امرأة طيبة القلب، هادئة، حسنة الطباع، على نقيض صدام تماما!.
كانت الجارات يزُرْنها في الوقت الذي يكون فيه صدام بعمله، في سوق (الدراجات النارية)، حتى لا يسببن لها الأذى، فهن يعلمن أنه لا يحبذ اختلاطها بنساء المخيم.
فيعود من السوق بعد الظهر، ويضع دراجته في داخل سياج خيمته الذي صنعه بنفسه من العوازل والعيدان القوية، لتحجبها عن الناس!!.
كان الجو حارا جدا، ولهيب آب يرمي قيظه على الخيام ومن فيها، فأوهن الناس حر خانق، يضجر الأرواح ويوصب القلوب
ضج المخيم بصراخ ليلى وبكائها، والذي كان واضحا أنها تتعرض لضرب مبرح، وكعادة الجيران، لم يقترب أحد من خيمة التعذيب تلك، لكن القلوب المشفقة على ليلى الضعيفة، كانت تصرخ بصمت باللعن لهذا الوحش الأنسي!!.
لم يستطع أبو رياض تحمل كل هذا الصراخ وأصوات الاستغاثة المنبعثة من خيمة الرعب، هذه المرة،
أمسك يد أم رياض وسحبها، وقال وهو يمشي نحو خيمة صدام:تعالي معي، أنا أقف في خارج الخيمة وأنتِ تدخلين لتخلصي هذه المسكينة من بين يدي هذا الظالم،
دخلت أم رياض ملهوفة، ووقف أبو رياض على باب الخيمة، شهقت أم رياض دهشة من هول ما رأت، ثم صرخت:
_ يا إلهي!!، ماهذا؟!!
ياويلك من الله، لماذا تفعل هذا بها؟!
إنك مجرم، ويجب أن تحاسب على ماتفعله بها.
صرخ أبو رياض حين سمع ماقالته:
ماذا هناك؟!، أأستطيع الدخول؟!.
وكلمح البصر، رفعت أم رياض باب الخيمة، وصرخت بأعلى صوتها:
ادخل، ونظرت لكل من يقف ويشاهد مايجري، وقالت:
تعالوا جميعا، وانظروا ماذا يفعل هذا المجرم بليلى!!.
اقترب الجميع، وقد سبقهم أبو رياض، ليدهشوا لحال ليلى، التي قُيِّدَتْ قدماها ويداها بسلاسل حديدية، وتورَّم وجهها، وازرقَّ من شدة الضرب،
حدقت العيون بهذا المنظر الذي يمزق القلوب، وتساءلت عن جرم ليلى اللطيفة، الذي فعلته واستحقت عليه كل هذا؟!.
تعاونت أم رياض والجارات على فكِّ قيودها، وساعدنها على الجلوس، وهي تتألم ووتتأوه.
خيم صمت مقيت حزين على الجميع، إلا من أنفاس ليلى المرهقة، والتي صاحت بصوت كأنه خارج من بئر عميق:
اسمع يا صدّام، لقد تحملتك بما فيه الكفاية، تحملت عصبيتك، ومزاجك وطبعك الغليظ، لقد ضربتني مرارا وتكرارا بلا رحمة، وأذللتني بدون سبب، وظلمتني بمعاملتك الجائرة،
ولأنك ضمنت صمتي وتحملي عليك، لم تتوانىٰ عن تعذيبي بذريعة وبدون ذريعة، لكن إلى هنا ويكفي، لم أعد أطيق سجني بعالمك الملعون هذا.
أطرقت في االأرض للحظات، ثم نظرت إليه وتابعت:سأتركك وأعود لأهلي، خوفي من كلمة مطلقة هو ما أرغمني على الصبر على هذا الجحيم، لكن هذه الصفة وماتحمله من تبعات، وغمز ولمز الناس علي، أرحم من حياة القهر والاستبداد هذه.
نهضت بصعوبة، واتجهت نحو الباب، وقفت ونظرت إلى صدام الذي جلس على الأرض، وسمَّرَ عينيه فيها من الخزي والهوان، ثم قالت:
أنا ذاهبة لأهلي، سأخبرهم أني قررت أخيرا أن أتخلص من قيودك، التي تحملت جراحها طويلا.
وخرجت تحثُّ الخطى نحو قادم جديد، يحمل ظلما بشكل مختلف، من مجتمع قيدت أفكاره بسلاسل من ضيم، كان دائما عاقبته كسر القوارير.