على ضفاف إباء…

0 472

ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
في زنزانة الخزي والقهر قبعت أكثر من ثلاثمئةٍ وأربعين معتقلةٍ وكنت أنا منهنّ، فبعد أن قضيت شهراً كاملاً في مركز عسكري في درعا تم ترحيلي إلى فرع الجوية في دمشق، حيث أعادوا التحقيق معي وأخذ بياناتي(التفييش).
كانوا يتركونني أسبوعاً أو أكثر ثم يعيدون التحقيق معي من جديد، وكأنهم ينتظرون أن أخطئ فأُوقع نفسي وباقي أقاربي في شباك حقدهم، إذ أنهم اعتقلوني بتهمة مساعدة إخوتي الثلاثة بنقل السلاح إلى المجاهدين.
فإخوتي وأبناء أعمامي السبعة عشر وبعض شباب حيِّنا قد شكَّلوا كتيبة ثوارٍ أحرار تذود عن الأرض والعرض، لم تتغير أقوالي التي حفظوها عن ظهر قلب يوماً:
(منذ أن انشقّ أخي عن بطش النظام، أخذ أخواي ورحل عن العائلة، وبعد شهر سمعنا مثل باقي الناس أن كتيبة جديدة من ريف درعا قد لمعت في ساحة الحراك الثوري وقائدها أخي).
لم تكن أقوالي تلقى قبولا عندهم، لذلك كنت أُعاقب بعد كل تحقيق بالبقاء بالمنفردة أياماً عسيرة.
في يوم كئيب كباقي أيامي في الستة أشهر التي قضيتها في الجوية، أخذني السجان من بين المعتقلات، ومضى بي نحو مكتب العميد، دخلنا وكالعادة قلبي متوجّسٌ مما أسمع عما يحدث بين جدران هذا المكتب، نظر العميد إليَّ وأشار لي بسبابته دون كلام (أن اقتربي).
بخطا متوتّرة مرتابة اقتربت ووقفت بقربه، فتح جهاز الحاسوب (اللاب توب) وشدَّني نحوه قائلاً:
انظري ياحلوتي، ما أجمل هذا المنظر البديع. لم تحملني قدماي من هول ما رأيت، فتحت عينيَّ وكأنهما تتمزقان، وارتجفت كُلِّياً: ياإلهي…
_ أخواي، واثنان من أبناء عمي مضرجين بدمائهم! كيف؟ ماذا حدث؟.
وسقطت على الأرض بعد أن شهقت فزعة.
أمسك بيدي وأوقفني على قدماي المترنحتين، أمسك رأسي وراح يثبته على صورهم:
_إنهم الأبطال الذين يقتلون جنود الوطن البواسل، انظري كيف سحقناهم (بالبوط العسكري) الذي سيبقى تاجاً على رؤوسكم أيها الإرهابيون.
وأوقعني على الأرض، وراح يركلني بحذائه النجس، ثم شرع بالاعتداء عليّ، حاولت جاهدة إبعاده عني، وأمدني الله بقوة جبّارة، حيث ركلته ركلةً قوية، علمتُ بعد أن خرجت من المعتقل أنها أفقدته رجولته.
بعد ثلاثة أسابيع كنت مع المعتقلات اللواتي تمّت بشأنهن التسوية، أُفرِج عنّي وعدت لحيّنا في ريف درعا.
تاهت دموعي بين فرحي بحريتي ونجاتي من معتقلات القهر والتجبر، وبين حزني على استشهاد أخويَّ وأبناء عمي، أما مشهد حيّنا الذي بات كومة تراب وحجارة وبقايا عمار، فقد أنساني ماعانيت خلف قضبان البغي.
ها أنا الآن مع الأحرار أؤمن لهم الطعام وأقوم بإسعاف المصابين، هيهات أن نَذِلَّ وفينا من يُرخص الدماء والأرواح في سبيل العيش بكرامة وعزّ.

قد يعجبك ايضا