بين المعارك العنيفة والمصالح المتعددة، تحليل شامل للنزاع في شرقي الفرات

3٬038


أمين الشامي | DCRN


في الأسابيع الأخيرة، شهدت محافظة دير الزور شرقي سوريا تصعيداً عنيفاً بين ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبين عشائر عربية محلية تابعة لمجلس دير الزور العسكري، حيث اندلعت المعارك بعد اعتقال قسد لقائد المجلس العسكري أحمد الخبيل، المعروف بأبو خولة، في مدينة الحسكة في 27 آب/أغسطس 2023، لتتسع رقعتها إلى عدة بلدات في الريف الغربي والشمالي للمحافظة، حيث سيطرت قوات العشائر على مناطق استراتيجية مهمة، مثل حقل كونيكو للغاز، ومدينة هجين، والطريق الواصل إلى حقل العمر النفطي، وهو أكبر حقل نفط في سوريا وأكبر قاعدة أمريكية في المنطقة وبعض المناطق الأخرى، وقد أسفرت المعارك عن مقتل عشرات المقاتلين من الجانبين، إضافة إلى مدنيين.


هذه المواجهات تثير العديد من التساؤلات حول خلفياتها وأهدافها وآثارها على المشهد السوري والإقليمي، فما هو دور التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في هذه المواجهات؟ وما هو موقف نظام الأسد منها؟ وما هو رأي روسيا وإيران وتركيا في هذه التطورات؟ وما هو مستقبل دير الزور كمحافظة ذات غالبية عظمى عربية تشهد صراعات بين قوى مختلفة؟

في هذا المقال، سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات بالاستناد إلى الوقائع المحلية على الأرض، وأن نقدم تحليلًا شاملاً وموضوعيًا للوضع في دير الزور، وأن أستشرف السيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة.

يأتي السؤال الأول حول التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وهو يدعم قسد كشريك استراتيجي في مكافحة تنظيم (داعش)، ويوفر لها تغطية جوية ولوجستية وتدريبية.
ويسعى إلى حماية مصادر النفط والغاز في دير الزور من سقوطها في أيدي قوات الأسد أو إيران أو تركيا، كما أنه يواجه صعوبات في التوفيق بين حلفائه من قسد والعشائر، وفي تخفيف التوترات بينهم.
ويضاف إلى ذلك إن التحالف يخشى من انسحاب قسد من معارك داعش في شرق سوريا بسبب المواجهات مع العشائر وبالتالي تصاعد وتيرة عمليات التنظيم التي كانت تشهد انحساراً في الأعوام القليلة الماضية.

أما بالنسبة لنظام الأسد فالأمر يختلف نسبياً، فهو يعتبر قسد قوة احتلال تعمل بأوامر أمريكية، وتطالب بانسحابها من دير الزور وغيرها من المناطق عبر إعلامه إضافة لخطابات سياسييه في الداخل والخارج، وبالتالي يحاول استغلال المواجهات بين قسد والعشائر لزعزعة استقرار منطقة شرق الفرات، ولإثارة مشاعر المظلومية والانتماء لدي العشائر حيث ستكون المعارك المتصاعدة بمثابة جسر يستعين به نظام الأسد لتدمير بنية شرق الفرات العشائرية التي لطالما كانت تتميز بالتماسك.
وبتدمير قوة العشائر سيسعى إلى إعادة سيطرته على دير الزور لأسباب أمنية واقتصادية وجغرافية، فهذه المحافظة تضم أغلب مصادر النفط والغاز في سوريا، وتشكل نقطة اتصال بين سوريا والعراق، ويواجه نظام الأسد تحديات كبيرة في تحقيق هذا الهدف، بسبب قوة قسد ودعمها من التحالف الدولي، وبسبب نقص الموارد والقدرات العسكرية لديها.
بعد تحليل رغبات وغايات أطراف القتال يأتي السؤال عن مواقف القوى الدولية الرئيسية المتحكمة في الشأن السوري وهم روسيا وإيران وتركيا.

بالنسبة لروسيا هي حليف رئيسي لنظام الأسد، وتدعمه عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً، ونظراً لتواجدها العسكري المكثف على الأرض فهي ترى في دير الزور فرصة لتعزيز نفوذها في سوريا والمنطقة، ولتحقيق مصالح اقتصادية من خلال الاستثمار في قطاع النفط والغاز، فضلاً عن دور التوسط بين حكومة الأسد وقسد للوصول إلى حل سياسي يضمن مصالحها.

أما إيران الحليف المساند لنظام الأسد فهي ترغب في السيطرة على دير الزور لأنها تشكل جزءً من الممر البري الذي تخطط له ومن المفترض أن يصل 4 عواصم ببعضها وهي طهران وبغداد ودمشق وبيروت، وهي تواجه معارضة شديدة من قبل التحالف الدولي وإسرائيل والعشائر المحلية لهذا المشروع، سيما أن قسد تمثل قوة غريبة عن ثقافتهم ودينهم.
على الجهة المقابلة يختلف الموقف التركي بالنظرة لقسد التي تشكل لها عدواً صريحاً لكونها أحد ممونات حزب العمال الكردستاني (PKK) العسكرية، الذي تصنفه كجماعة إرهابية تحاربها على المستويين السياسي والعسكري وبناء على هذا الموقف تسعى تركيا لدخول دير الزور لضرب قسد وتأمين حدودها وإنشاء منطقة آمنة لإعادة اللاجئين السوريين.

تحليل رؤية الأطرلف المتنازعة وفهم غاياتها يساعد على إيجاد صورة عن مستقبل منطقة شرق الفرات ولتوضح الصورة علينا دراسة منطقة دير الزور جغرافياً وديموغرافياً، زهي محافظة ذات غالبية عظمى عربية، تضم عشائر مختلفة، مثل شعيطات وبكارة والبو شعبان والبو سرايا وغيرهم.
وقد شهدت صراعات عديدة خلال الحرب في سوريا، بدءًا من انتفاضة الشعب ضد نظام بشار الأسد في 2011، مرورًا بغزو داعش للمحافظة في 2014، وانتهاءً بتحرير المحافظة من قبل قسد بدعم من التحالف الدولي في 2017.
حال دير الزور لا يختلف عن أي منطقة سورية عانت من المعارك والحروب إذ تواجه تحديات كبيرة في إعادة الإعمار والإستقرار والإصلاح، بسبب نقص الموارد والخدمات والأمن، وبسبب التنافس على المنطقة الخصبة بالبترول والغاز بالإضافة للأراضي الخصبة الوفيرة بالمزروعات الأساسية كالقمح.
العشائر والتي تمثل القوة الأهم في الأحداث الأخيرة فهي أكثر الأطراف الساعية لإنهاء وجود قسد لأسباب عدة أولها استرداد الكرامة والحقوق التي سلبتها قسد من أبناء المنطقة الشرقية منذ مطلع عام 2017 في محافظات دير الزور والرقة.

إبعاد قسد عن دير الزور عبر تقليص نفوذ قسد إلى مناطق معينة ذات الغالبية الكردية في أجزاء من محافظة الحسكة والقامشلي، إضافة إلى إنشاء جهة عسكرية وإدارية جديدة تشرف على إدارة المناطق، وتتواصل مع التحالف الدولي بشكل مباشر ومن دون وسيط.
أما بالنسبة للمصالح التي قدمتها الولايات المتحدة للعشائر، يمكن تخمين بعض المصالح المحتملة بناءً على التحليلات السياسية للمساعدات الأمريكية،
توفير التغطية الجوية واللوجستية والتدريبية للعشائر في مواجهة قسد وداعش، ودعم اقتصاد المنطقة من خلال الاستثمار في قطاع النفط والغاز، وتأسيس مناطق جغرافية عسكرية تخدم المصالح الأميركية في سوريا والمنطقة وبالتالي إحداث نوع من التوازن العسكري بين قسد والعشائر، واللعب على التناقضات بينهم.
إن تحليل الأحداث بصورة واقعية يساعد على فهم الأحداث المتسارعة وسط مستقبل مجهول ينتظر مناطق شرق الفرات بالتزامن مع استمرار المعارك الضارية.

قد يعجبك ايضا