مهما طالت ظلمة الليالي لابد من فجر يبزغ بالأمل والحياة، ولابد للشمس أن تشرق وتشع بنور السعادة على من غرقت قلوبهم بالمآسي والأحزان.

141

هيا لنعرف المزيد عن غزالة في مسيرة الأيام المتقلبة بأحداثها المتنوعة…

ريما خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق

سُرَّ جاسم كثيراً بسماعه الخبر، وبارك لها وشجّعها على العمل لتطوير هذه الموهبة، وجعلها مهنة تحقق من خلالها ذاتها، وتكتفي بمردودها ذاتياً، فهو يعلم أن غزالة موهوبة، وتملك الكثير من مخزون الإبداع في أعماقها، لكنها بحاجة لمن يمد لها يد العون، ويرشدها لمسالك العمل المجدية، التي لم تتعلمها في المؤسسات التعليمة، بسبب السوء في كل شيء حولها، لكن الوضع اليوم بات أفضل، وصار بإمكانها تدارك ما ينقصها للإبداع، من خلال الدورات وورشات العمل التي تعمل على صقل المواهب، ودعمها في الشمال المحرر من سورية الجريحة، وهذه إحدى ايجابيات الثورة العظيمة التي لمستها غزالة، بعد اندلاع الثورة في البلاد.
ها هي الأيام تبتسم لغزالة بعد عبوس امتدّ عمراً بحواف زجاجية، تسمعها صوت ضحكات ساحرة بعد أصوات نحيب وعويل، تجسّد لها الأماني بأشكال متنوعة من أحداث تقف على أبواب أيامها تستأذن للدخول، وقد حملت معها حقائب من ياسمين، وفلٍّ، لتنثره على شرفات، وأسوار بيتها، الذي لم يعد سجناً كما كان!
كل هذا خفّف عنها وقع مصابها بأمها، وإخوتها، وعوضها غيابهم عن حياتها، رغم وجودهم، مثل ما اعتادت.
فجاسم، وهيامه الذي أخذها لعالم آخر، عالمٌ جدرانه من قوس قزح، وسماؤه من خيوط الحرير، وسكانه كالملائكة، عالمٌ ظللها بمظلة شغف للحياة لم تسمع بها يوماً حتى في روايات العشق العتيقة.
عملها في التصميم ملأ وقتها، وزملاؤها الذين جمعتها بهم علاقة ودّ، واحترام، ألغت وجود الفراغ، وإحساسها بالعدمية المفرطة.
ها هي الحياة تلبس ثوباً أبيضاً مزركشاً كثوب العروس، وتكسو أوقات غزالة ببياضها المشعّ كشمس الظهيرة، لتعد غزالة بحياة أجمل، تعوضها بها عن حياة التعسف، والقمع والتعتيم.
كانت غزالة منهمكة بالعمل على تصميم طلبه منها مدير الشبكة بالسرعة القصوى، حين اتصل جاسم على غير العادة اتصالاً صوتياً، فهو إذا أراد أن يتصل يسألها إذا كانت بمفردها كي لا يسمعهما أحد من أهلها، ويسبب لها الأذى.
وضعت السماعة في أذنيها، وفتحت الخط:
ألو، كيف حالك حبيبتي؟ أهلاً حبيبي ماذا هنالك؟! … لماذا تتصل دون سابق إنذار؟
أنا آسف حبيبتي، لكنني في المشفى، ولا أستطيع التحكم بالجوال. بالمستشفى؟! … خير… طمئني عنك.
لا تخافي يا عزيزتي، وعكة صحية بسيطة، لكنني أعتقد أنها فرصة سانحة كي نلتقي، إنني مشتاق لك جداً. تشهق غزالة فزعة: نلتقي! … وفي المستشفى!
نعم المستشفى مكان عام، لا ضير أن نلتقي فيه، ونجلس نصف ساعة على الأقل. لكن…
لا تقولي لكن، قلبي ينفطر شوقاً لك، هي نصف ساعة فقط. لكن أهلي، ماذا سأقول لهم؟
قولي بأن صديقتك مريضة، وستزورينها، وأخوك يوصلك للمشفى. تصمت غزالة، تحتار بما تجيبه، فعلاً هي فرصة جيدة، لكنه لقاء بعيد عن الأنظار، وهي ما اعتادت المخاطرة بأمور مرفوضة عندها أصلاً. فتقول في نفسها: ليكن، ألم أقرر أن أعطي قلبي مساحة من حرية! … إذاً لتكن هذه التجربة أيضاً، لقاء قصير مع من أحب.
فيقطع حديثها، صوت جاسم:
ها، ماذا قلتِ، يا حبيبتي؟ حسناً، سأطلب من زيد أن يوصلني للمستشفى.
هبت مسرعة نحو المرآة التي علقتها على الجدار الوحيد الذي لم يتصدره محملٌ، أو خزانة، مرآتها ذات الإطار البلاستيكي الأحمر، التي أخذت موقعها الطبيعي في حياتها، بعد أن دخل الحب لميادينها اليابسة، وروى زهور أنوثتها العطشى بماء الحب، وقفت وحدقت بوجهها ذي البشرة البيضاء الصافية، وحاجبيها السوداوين كثيفا الشعر، راحت تمسد بسبابتها شفتاها المنتفختين، وكأنها تعدهما بتلك القبلة، التي طالما تصارعت في ثورة اشتهائها مع العيب والحرام، والحاجة والتمني.
ثم فتحت خزانتها، وأخرجت حقيبة بنية صغيرة، كانت قد اشترتها لتضع فيها تلك الأشياء التي وفدت لجفاف أيامها، (كأحمر الشفاه، والمسكرة، والكحلة، وعلبة الظل ذات الألوان الكثيرة)، فتحت الحقيبة وأخرجت محتوياتها، وراحت تتزين بدقة وتأنٍّ، فهو أول لقاء لها مع توأم الروح، ونبض القلب جاسم، وأول ما وضعت على وجهها تلك المادة الخاصة بإخفاء عيوب البشرة، والتي سألت عنها كثيراً لتحصل عليها، وتخفي تلك الندبة التي طالما كانت سبباً بخجلها، ومانعاً لنظرها في الوجوه.
قبل أن تلتف بسواد عباءتها، راحت تتلمس جسدها وتتأمله، وتقول في سرّها:
_لا سامحك الله يا أم جابر، من أعطاك الحق بحرمان هذا الجسد الجميل التمتع بأنوثته؟
وراحت كفاها تحتضن خصرها، وتتلمس جيدها، وتداعب عنقها الطويل، وتتمايل كغصن فتي أثقلته ثماره الناضجة، وعيناها تراقب تخايله بحب، وتيه، ودلال.
ارتدت العباءة، ووضعت شالها الأبيض على رأسها ليكتمل الجمال بهدية بشرى العرائسية.

قد يعجبك ايضا