طريق إلى السماء
ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
كنت أستمع لصرخاتها المحملة بكلمات غير مفهمومة، وكأنها تمتمات مشعوذ عتيق!!!
وتنثر في ممرات المشفى أوجاعها المؤلمة.
في ليلة هادئة، وعلى غير العادة، استغربت ذلك الصمت المخيم في أنحاء المشفى، الذي كان يكسره ما يصدر من تلك الغرفة.
تأكدت من نوم أمي المريضة، ومن خلو الممر من الأطباء والمرضى،
ودخلت غرفة تلك الشابة المتوجعة أبدا.
جسدها النحيل، والذي شعرته هيكلا عظميا غطته رقعة جلدية سمراء، تجمعت في بعض الأماكن، وتفرقت في أماكن أخرى، أوحى لي ماكان عليه من صحة وعافية، اقتربت أكثر، وتأملت وجهها النحيف، الذي صبغته صفرة مرض شديد، فتحت عينيها الواسعتين، الباديتين كبياض ثلج في سواد دامس!!
حدقت بي دون خوف وكأنها لم ترَ شيئا!!.
قلت بعد أن ابتسمت لها: أنا جارتك في الغرفة الثانية، مرافقة لأمي المريضة، منذ ثلاثة اشهر، أحببت أن أراك، وانتهزت فرصة نوم الجميع، فدخلت إلى غرفتك. بادلتني بابتسامة مرهقة، وقالت: تريدين معرفة صاحبة كل هذا الصراخ، أليس كذلك؟..
أعرف أن الجميع يريد ذلك. أومأت برأسي مؤكدة كلامها. سحبت ذلك الهيكل العظمي، وجلست ثم قالت: اسمي نهاد، من بابا عمرو، كنت أساعد ثوار منطقتنا بما أستطيع، بين الملابس التي كنت أتجول وأبيعها، لم أعرف أن أحداً علم بما أفعله، ورفع بي تقريراً، للمفرزة الأمنية للحي، والذي بدوره هاجم منزل أختي التي أعيش معها في بيت زوجها،
فبعد استشهاد جميع عائلتي، في قصف الحي بالصواريخ، لم يبقَ لي سواها.
في غمضة عين، وكلمح البصر وجدت نفسي في زنزانة سوداء الملامح، كل مافيها أسود كلون حقدهم، تحملت أنواع التعذيب المختلفة، صبرت على أوجاع الجلد والصعق، والجوع الذي جفف جسدي، وجعله كغصن قطع من شجرة، ويباس!!
لكن ركلاتهم المتوحشة، بذلك الحذاء الذي يتباهون به، وضع فيني مرضاً أجبرهم على المجيء بي إلى هنا، ومن ثم إسعافي، ليس عطفاً علي، لكن لأنهم لم يحصلوا مني على أي اعتراف بعد، وهذا ماكان يؤجج حقدهم، ويجعلهم يضاعفون من تعذيبي.
صمتت ثوان، ثم تابعت:
أتعلمين أي شيء كان يوجعني أكثر؟. ليس بساط الريح، ولا الدولاب، ولا الكرسي الألماني، بل صرخات الشباب الذين كانوا يعذبون ليعترفوا بأنهم إرهابيون، وأنهم يعملون على تخريب البلد بأوامر خارجية. ذل وظلم واعتداء وحشي، كان يحرق قلبي، ويسلبني الرقاد. سألتها مستغربة عن عدم صراخها هذه الليلة كالعادة، فأدهشني جوابها الحزين: احتراماً لمن جاؤوا ليأخذوني معهم، كتمت صراخي المتألم، إنني أشعر بهم يحيطون بي من كل جانب، لقد اشتقت لهم، واشتاقوا لي، فجاؤوا ليخلصوني من بين فكي هذا الضيم والقهر.
فقلت فزعة:
من هم؟!!!! إنهم أهلي وكل من استشهد معهم في ذلك اليوم من حيّنا، لفني رعب مفاجئ، فاستأذنت منها وعدت لغرفة أمي المريضة.
في صباح اليوم التالي، استيقظت على بكاء ووشيج أمام غرفة نهاد!!
ركضت وسألت ما الأمر؟!!!، يا إلهي!!.
لقد ذهبت نهاد مع أهلها وأهل حيها لمكان لن تعاني فيه ما عانت في معتقل البطش والعدوان!!!!