ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
ستُّ ساعات بين أنياب التعذيب قضتها سميرة بين بساط الريح ودولاب الذلّ وصعقات الكهرباء المميتة، أوقاتٌ عصيبة تلوّنت بأطياف القهر والبغي والجبروت، رُميت بعد كل هذا في الزنزانة بين رفيقات القهر والقمع، سحبنها ووضعن رأسها على قدم إحداهن، ودثرنها ببطانية مضغتها أفواه سنين البطش. فَرَدَ أنين سميرة أجنحة الحزن والنحيب في جو الزنزانة الجنائزي، فقد فتح الجراح وحرّك الأوجاع ونبش رماد الذاكرة المخمّد بدموع ودماء.
سميرة ذاتُ التسعة عشر ربيعاً تهمتها دعم المخربين!
تم اعتقالها حين كانت توصل بعض المواد الغذائية للمحاصرين في داريا، وها هي منذ خمسة أشهر تعاني في غياهب المعتقل، لايعلم أحد من أهلها مكانها، مثلُ الكثير من المعتقلَات ممّن اختفين بلمح البصر وكأنهن غير موجودات على وجه الأرض.
إنها الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل، هو وقت الذبح بسكّين من حقد وبغي، تُذبح بها المعتقلات كل ليلة لتسيل دماء العار والضعف في أروقة المكر والاستبداد، من الطابق الأرضي حيث تتعفن الجثث وتتفسخ وتنتشر الروائح الكريهة، وتكثر أمراض الجرب والجدري والقروح والالتهابات المختلفة، يُصعَد كل ليلة بمعتقلة إلى مكتب الرقيب أبو شام ليحقق معها بأسلوبه الذي بات معروفاً عند كل من في الفرع، ضرب وتوبيخ وشتائم تنزل في القلب قبل الأذن، تخترق الخلايا كسهم من نار، أما السرير القرميدي المتربع في غرفة صغيرة يُدخل إليها من باب خلف المكتب، فهذا ما كان يرعب أكثر من أي تعذيب آخر، في هذه الغرفة الصغيرة كانت تُغتصب المعتقلات وتغرق الغرفة بدمائهن الطاهرة، وتصدّ جدرانها السميكة أصوات الاستغاثة والتوسلات، فلا سامع ولا مجيب ولا منقذ من براثن الغلبة والسلب للشرف.
سميرة… صاح العسكري المخنّث: الرقيب يريدك في المكتب.
قفزت فزعة، ونظرت لزميلاتها وعيناها تقول لهنّ والضعف جلس على محياها لا يخفى على أحد:
-سيغتصبني ذاك المفتري، تضرّعن واسألن الله النجاة لي.
درجات السلم الذي سيوصلها للرقيب أبو شام، وغرفة الموت تلك، كانت تخاطب عينيها اللتين راحتا تستنجد بها:
-توقفي… لاتكملي الصعود… ستصلين لذلك المجرم الذي سيسلب عذريتك ويلحق بك عاراً لن تتخلصي منه أنت وأهلك مدى الحياة، لقد وصلتِ إلى ماقبل الدرجات الأخيرة، هيا أنهي حياتك قبل أن ينهيها ذلك الوغد كما فعل بكل المعتقلات.
فجأةً توقفت قدما سميرة قبل الدرجة الأخيرة، ونظرت إلى العسكري الذي أمسك بذراعها، ثم مدت رأسها لترى كم المسافة من أعلى إلى الطابق الأرضي، خطفت ذراعها من يده واستندت على حديد الدرج (الدرابزين)، ثم حملت جسدها ورمت به بقوة، ليسقط على الأرض…
أنهت معاناةً جديدة كانت ستبدأ لو أنها دخلت تلك الغرفة السرية.