ريمة خطاب| شبكة مراسلي ريف دمشق
بعد انتهاء فضة من زيارة أهلها في في ريف حلب، ودّعت أبويها وإخوتها وركبت الحافلة (البولمان) قاصدة بيتها في دمشق، فقد مضى على مكوثها في منزل أهلها عشرة أيام، أرسلت رسالة من هاتف أخيها أحمد لزوجها تخبره أنها عائدة اليوم للبيت، وقد تتأخر بالوصول لآخر الليل بسبب كثرة حواجز النظام على الطريق.
تركت هاتفها لإخوتها بعد أن أنهت صلاحية الخط الذي استخدمته أثناء وجودها عندهم، فهي تعلم أنه مليء بما يتسبب بحتفها لو وقع بين يدي أحد رجال النظام.
مرّ النهار مرهقاً مخيفاً لجميع من في الحافلة المتجهة للشام، وعند الاقتراب من الحاجز كان يصمت الجميع وتُكتم الأنفاس وتتمتم القلوب الهلعة بأدعية واستغاثات للخلاص من أيادي أخطبوط الظلم والبطش.
نال التعب من فضة، فهي حامل في الشهر السادس والطريق طويل، وزاد من تعبها التوقف المتكرر عند الحواجز والتفتيش والأسئلة المرعبة.
عند حاجز النبك توقفت الحافلة طويلاً تنتظر دورها في التفتيش، وبعد ساعتين من الانتظار المتلف للأعصاب صعد العساكر للحافلة مع ضابط ضخم، عريض المنكبين مفتول العضلات، وكأنه هارب من حلبة مصارعة، راح يمشي بين المقاعد وكأنه يبحث عن شيء معين.
بالقرب من مقعد فضة توقّف، وكادت نبضات قلبها تتوقف مع توقف خطواته، نظر إليها بعينين حاقدتين وقال:
-هل أنت فضة كريم؟
بصعوبة بلعت ريقها وقالت بصوت مرتجف:
-نعم… أنا فضة كريم.
التفت للعساكر خلفه:
- أنزلوها، ونزل قبلهم مسرعاً.
أُنزلت من الحافلة وعيون الجميع تلاحقها متعاطفة معها وكأنها تقول دونما كلام:
-أعانك الله وكان في عونك، وأنجاك من هؤلاء الظلمة.
كانت روائح الموت والدماء تملأ جو الأمن السياسي، وكأن مجزرة عظيمة حدثت وحصدت مئات الأرواح، وسالت دماؤها سواقياً في غياهب هذا الجحيم الذي سيقت بسراديبه دون أن تُعصب عيناها كما يفعل بكل من يدخله، وكأنهم يقولون لها:
-لن نخاف أن تري مانخبّئه على الداخلين، لأنك لن تخرجي من هنا حية!
في مكتبٍ فخم جلس النقيب عيسى والملازم حسن، وعلى طاولةٍ أمامها زجاجتا خمرٍ والمكسرات ودخان السيجار يملأ المكان.
وقفت فضة تنظر إليهما وشبح موتها قابع على وجهها مكشرٌ عن أنيابه ويقول:
-هنا قبرك!
وقف النقيب عيسى وهو يترنح لفرط شربه للخمر، تقدم نحوها ووضع يده على كتفها وقال مستهزئاً:
-أهلاً وسهلاً بالناشطة الإعلامية فضة، نوّرتِ الفرع، لقد تأخرتِ بالوصول، منذ الظهيرة نحن بانتظار وصولك.
أمسك بيدها وسحبها نحوه وأجلسها على الكرسي: - ل أنهيت مهمّتك في حلب الشهباء، هل أرسلت صور المظاهرات لقناة الجزيرة؟ هل تمّ إعلام المخربين عن مكان تسليم السلاح؟!
أمسك الزجاجة وشرب كظمآن في قلب صحراء، ثم قال بعد أن رأى الخوف جاثماً في عينيها:
-لا تخافي، لن نعذّبك لننتزع منك الاعتراف بخيانتك للوطن وتمويلك للإرهابين، لن نعرّض هذا الجسد الجميل للأذى، وراح يتلمّسها بخبث وعيناه ترمقانها بكل شر وغشم:
-(لا تخافي وا عيني رح ناخذ صورة تذكارية تنبعتها لأهلك ع حلب)، وحتى زوجك سيكون معنا في هذه الليلة الجميلة، وصاح آمراً:
-أدخلوا زوج الناشطة النشيطة، واشبحوه بسرعة.
بعنفٍ وشراسة وتجرّد من كل إنسانية انقضّ عليها واغتصبها أمام زوجها المقيد بالسلاسل والمشدود بقوة لباب حديدي.
كان الملازم حسن يصور مايحدث ويقهقه بضحكات إبليسية ويتلذذ بصراخ فضة وكلماتها الثلاث المتكررة (أرجوك أنا حامل).
أما الزوج الذي لفّه الضعف وخانته الظروف وأذاقته كل أجناس القهر فقد صرخ صوتاً من صميم الضيم والعجز وأخرج معه روحه بفعل جلطة دماغية.
لم تستطع طبيبة المشفى العسكري إيقاف النزيف الشديد الذي حدث لفضة إثر الاعتداء عليها، ففاضت روحها البريئة إلى بارئها محمّلة بأوجاع النساء السوريات اللواتي يمتن ألف مرة قبل أن تفارق أرواحهن الأجساد، فقط لأنهن أردن الحياة الشريفة، وحلُمن بالحرية وسعين لها في وطن اغتُصبت فيه الأحلام!