ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
أصرَّت رزان على تأجيل حفل زفافها ليوم الخميس القادم كي تتمكن من المشاركة في المظاهرة التي ستخرج هذا الخميس للمطالبة بالحرية.
في صباح اليوم المنتظر انطلقت المظاهرة الحاشدة من دوار المدينة حيث كان الاتفاق، وراحت الأصوات تصدح في الأرجاء مطالبة بإسقاط النظام وإحقاق الحق ورفع الظلم عن المظلومين، كانت مظاهرة كبيرة هزّت أساس النظام وأثارت غضبه، مما جعله يفضّ هذا التجمع العظيم برمي الغاز المسيل للدموع والتهديد بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، لكن قوة الشعب والإرادة أبت إلا أن تطلق مطالبها في جو الوطن الحبيب.
اتجهت رزان مسرعة لكلية خطيبها مروان لتمضي معه بقية يومها الشاق والحافل، بعد أن قامت بدعوة الأقارب والأصدقاء، فغداً حفل زفافها الذي انتظراه طويلاً، قضت معه أجمل الأوقات لمدة ساعتين، تنقّلا فيهما بين أشجار الحديقة البعيدة عن الشارع الرئيسي للمدينة حيث تمركز حاجز للنظام.
كانت فرحتها بثوب الزفاف الذي اشتراه مروان أجمل فرحة، حيث أن مروان فاجأها به، وهما اللذان اتفقا مسبقاً على توفير ثمنه واستئجاره ليلة الزفاف.
كانت الساعة بعد الواحدة منتصف الليل حين فتحت رزان عينيها على نكزٍ برأس بندقية، نهضت فزِعة، ارتعبت لرؤية رجال الأمن الذين كانوا بكامل لباسهم العسكري الميداني،
نظرت لوجوه أبويها وأختها التي اصفرّت وانعقدت ألستنهم لهول الموقف، نظرةٌ سريعة ألقتها على ثوب زفافها المعلق بقرب سريرها، إحساسٌ غريبٌ اعتراها، وكأنها رأت وجه مروان يخرج من بين تفاصيل الثوب المحلّى بأحلامٍ وردية ويودعها لآخر مرة.
كمجرمةٍ سُحبت من فراشها، وبسرعة البرق رُميت على كرسي في السيارة بعد أن قُيّدت يداها وعصبت عيناها، كهف الرعب المظلم الذي وجدت نفسها به، أحدث خوفاً في قلبها الذي ضجت به مآتم ومآسي، فقد أدركت أنها بين فكي الوحش الذي طالما هتفت بإسقاطه.
صوت الضابط الذي كان كصدى يخرج من بئر عميق اخترق أذنيها، وهو ينطق بنهاية رزان المبكرة:
-وأخيراً… العروس بضيافتنا، أهلاً برزان التي لم تفوت مظاهرة إلا وكانت فيها، لاتخافي سنحتفل معاً بحفل زفافك غداَ وستفرحين فرحة عمرك في أعظم مؤسسة عسكرية،
(بدن يحسدوكي رفقاتك ع هيك عرس).
كل ماكانت تعلمه عن وسيلة التعذيب في السجون (الدولاب)، لم يكن مخيفاً أمام ما عاشته وهي محشورة فيه ومقلوبةٌ رأسها للأسفل وقدماها للأعلى، وقد قًيدت بحبل شُدَّ لعصا لتكون ضربات الجلاد أكثر إيلاماً!
في ظلام دامس تخللته خيوط كالشعر وجدت نفسها بين أربع نساء، لم تستطع الحراك من شدة الألم، فراحت تنقل نظرها بين جدران الزنزانة المظلمة وبين وجوه النساء اللواتي نطق الوهن والوصب في عيونهن، حاولت أن تكتشف أين هي بين وخزات الألم المنبعثة من جسدها المثقل بآثار تعذيب الظلم والبغي وبين أنفاس المسلوبات نبض الحياة برغم وجودهنّ على قيدها!
صوتٌ صدر من إحداهن ليجيبها عن أسئلة عجزت عن نطقها:
-نعم يا أختاه، أنت في المعتقل، لا تستغربي ظلمة المكان ووحشته وهذا البرد الذي يجمد إحساسك، هو ليس القبر، لم تموتي بعد، لكنك ستعيشين فيه كل ماسمعنا عن أهوال القبور!
جلست رزان بمساعدتهن وحضنت نفسها بثيابها محاولة التماس بعض من الدفء، وقالت بعد أن أخذت نفساً مليئاً بيأس العالم كله:
-أنا عروس… غداً سيكون عرسي على خطيبي الذي انتظرت معه هذا اليوم منذ ثلاث سنوات، لكننا كنا نؤجل فرحتنا هذه كل مرة، بانتظار تحقيق حلمنا بإسقاط النظام وعودة الأمان واسترجاع الحقوق لشعب صرخ بالحرية بعد صمت طويل، أمسكت يدها اليمنى بيدها اليسرى وراحت تحرك خاتم خطوبتها بأصابعها:
- منذ أن وضعت قدمي في هذا الجحيم أيقنت أنني لن أعيش فرحتي أبداً، ولن أرى مروان مرة أخرى، ولن أرتدي ثوب عرسي الذي كان ثمرة حرمان وتوفير كبيرين لخطيبي كي يجعل فرحتي بعرسي أكبر.
قالت إحدى المعتقلات:
-لاتيأسي، فقد تخرجين من هذا الجحيم، لقد تم الإفراج عن معتقلة وابنتها قبل مجيئك، وتم تبادل أسرى على ثلاث معتقلات أيضاً.
بصوت مخنوق هادىء قالت رزان:
-لا لن أخرج أبداً، لقد أخبرني الضابط أنهم ينتظرون وقوعي منذ وقت طويل، وأنهم ملؤوا إضبارتي بتهم عديدة، كتخريب البلد والتحريض والتعامل مع جهات خارجية لإدخال السلاح للإرهابيين.
في صباح اليوم التالي قبل ترحيلها للعاصمة لمحاكمتها والتي ستكون الإعدام بعد أن حيكت قضيتها بأيادي البطش والقسوة قالت رزان للمعتقلات:
-أنا ذاهبة لموتي يا أخواتي، أريد منكن إذا خرجتن أن توصلوا رسالتي لمروان وأهلي، قولوا لهم أن رزان عروس الحق والحرية ستبقى بينكم حتى وإن ماتت، ستبقى تحلق مع رايات النصر التي سترتفع إن شاء الله فوق قمم الشموخ والإباء.