قانون الغاب

237

ريما خطاب| شبكة مراسلي ريف دمشق

صوت صراخها القوي الممزوج ببكاء عيونها الغائرة في حفرتين، أشعل ضجة في أروقة المشفى.

امرأةٌ في عقدها الثالث، حفرت نوائب الحياة في وجهها أخاديد وتجاعيد توحي بعظيم الألم.

ثوبُها الأسودُ الرثُّ المرقع بقطع قماش مختلفة، بغية إخفاء ما تبديه تلك الشقوق من جسدها النحيل.

اجتمع الأطباء حولها محاولين تهدئتها والتخفيف من حدة انفعالها الذي يكاد ينهي حياتها!!

قساوة المشهد أنستني أخي المصاب والذي يخضع لإجراء عملية استخراج رصاصة اخترقت ساقه، وهو نائم تحت قماش خيمتنا، فخيامنا قريبة من مكان المشاجرة التي حدثت قبل ساعات، بين عائلتين اختلفتا على بضعة أمتار من أرض المخيم، فحدث اشتباك بالأسلحة بعد تطور المشكلة، مما تسبَّب بإصابة أخي وابن الجيران برصاص ذلك الاشتباك، تصاعد وتيرة صراخ وعويل تلك المرأة شدَّني لأن أقترب أكثر، وأستطلع ما يحدث، وأستخبر عن سبب معاناة هذه المرأة.

اقتربت قليلاً فسمعت إحدى الممرضات تقول لها بعد أن أمسكت يديها بقوة:

  • وحِّدي الله يا أختي ابنك بخير، هو مجرد “مقذوف” صغير، والآن يقوم الطبيب باستخراجه، اهدئي وادعي له.

تسحب الأم الحزينة يديها من يدي الممرضة بعنف، وتقول:

  • لا إله إلا الله، ما ذنب صغيري ليسقط هذا “المقذوف” عليه، وهو يتناول الطعام داخل الخيمة؟!!

نحن نزحنا هاربين بأطفالنا من خوفنا عليهم من رصاص وأسلحة النظام، تركنا بيوتنا وأرضنا وأشياء لها في الروح أماكن، وجئنا لاجئين طالبين الأمان لأطفالنا الذين لا ذنب لهم سوى أنهم خلقوا في هذه الأيام الصعبة.

منذ شهرين، ماتت جارتنا العجوز بسبب رصاصة طائشة من عرسٍ لأحد الجيران، كانت تجلس أمام خيمتها، واليوم ابني يعاني آلاماً كبيرة بسبب طيش شابٍّ يلعب ببندقيته، ما هذا الاستهتار بأرواح الناس الأبرياء!!

ألهذه الدرجة أصبحت أرواح البشر رخيصة، وصار السلاح لعبة بيد الصغير والكبير!!

حسرتي عليك يا ولدي، هربنا من ظلم الطغاة المستبدين، فوجدناهم بجوارنا، ويا أسفي، أن يكونوا من أبناء جلدتنا!!

وأجهشت ببكاءٍ مريرٍ يقطّع أوردة القلوب، ويغرز في الروح لوعات وآهات.

عدت لمكاني وجلست أنتظر خروج أخي من غرفة العمليات، ومازالت عيناي ترقبان تلك المرأة:

  • معك حق يا أختي، والله إن هذا السلاح المخبأ في طيات الخيام، وهذا الرصاص الذي يطلق في المناسبات والمشاجرات لو أنه يستخدم على الجبهات، ضد من شرَّدَنا واستباح الأرض والعرض وقتل وهجر، لما بقينا على هذه الحال المخزية.

لكن آه، ماذا نقول وقد عمَّت الفوضى في البلاد، وتحولت الحياة إلى غابة، القوي يأكل الضعيف فيها “إلا من رحم ربي”.

علت صرخة للأم جعلت جميع من في المشفى يركضون ليستطلعوا الأمر، ثم عمَّ هدوءٌ كهدوء المقابر، حملت الأم التي فقدت وعيها على النقالة، قال الطبيب:

  • أدخلوها الغرفة، أعانها الله وألهمها الصبر على فراق صغيرها، لا حول ولا قوة إلا بالله “الله يفرج ما نحن فيه”.
قد يعجبك ايضا