رجم الظنون… حين يغيب الضمير وتغرز الظنون مخالبها، تصنع من الأبرياء ضحايا وقتلى.
ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
لم تمنع سمعةُ فاطمةَ الطيبة النسوةَ من الكلام عليها، وتأليف الأكاذيب وطرح الاستنتاجات والخوض في تفاصيل خاصة.
أم سامح الجارة القريبة من خيمة فاطمة، امرأةٌ في عقدها الخامس وأرملةٌ منذ خمس سنوات، استشهد زوجها في المعركة وهو يدافع عن قريتهم مع باقي رجال القرية.
كانت أم سامح فخورةٌ بزوجها الشهيد البطل، وتقريباً جميع سكان المخيم حفظ قصة استشهاده عن ظهر قلب، فهي لا تكف عن سرد قصة فخرها واعتزازها برغم حزنها على فراق زوجها الشهيد.
أم نضال امرأةٌ طيبة القلب، لكن الفضول يقتلها إذا لم تعرف كل صغيرة وكبيرة تحدث في المخيم.
أما نهلة “البرصاء”، وهذا الاسم الذي اشتهرت به لشدة بياضها، فقد كانت تكره فاطمة وتشوِّه من سمعتها الطيبة، ويسعدها ويثلج صدرها أن يُحكى عنها في المخيم بما ينفي أخلاقها الكريمة وأدبها وتربيتها الصالحة.
بدأت الشمس تميل نحو الغروب، وأخذ لونها الذهبي يشحُب شيئاً فشيئاً، وراحت تختبئ كصبية خجولة خلف التلال القريبة من المخيم، أم سامح تصرخ غاضبة بوجه أم نضال:لا تدافعي عن فاطمة ففعلتها هذه لا تغتفر، لقد جلبت العار لأهلها بهربها، إنها فتاة “مغضوبة” عاقّة والذَّبح قليلٌ عليها، لو كانت ابنتي من فعلت ذلك كنت قتلتها بيدي هاتين “ياعيب الشوم”.
وبحدةٍ وحماس تؤيد نهلة كلام أم سامح:
“نعم هذا صحيح، لقد لطخت سمعة أهلها بعد هروبها، هل رأيتما أبوها أو أحد إخوتها خرج من خيمتهم منذ أن هربت؟!، لم يخرج أحد إلا أمها العجوز، ولا تذهب إلا لاستلام حصتهم من الخبز قاتلها الله، لقد دمرت أهلها بهروبها مع عشيقها”.
تقاطعها أم نضال غاضبة:
“أي عشيق يا نهلة!، اتقي الله ولا تظلمي فاطمة، فجميع أهل المخيم يشهد لها بحسن سمعتها وأخلاقها ودينها، لا تخوضي في أعراض الناس، فلم أسمع أبدا أنَّ لفاطمة علاقات مشبوهة”.
تتنهد أم سامح وتقول:
“إيه، حسبنا الله ونعم الوكيل، ليست نهلة فقط من يقول هذا عنها، أهل المخيم كلهم يتحدثون عن عشيق فاطمة الذي غرّر بها وجعلها تنساق خلف شهواتها الدنيئة، وتترك خلفها عائلتها مدمرة بعد أن وضعت رأسهم في الوحل، وتشير بيدها إلى خيمة أهل فاطمة التي صارت محط أنظار جميع النازحين، وتتابع:
“يا حسرة على ساكني هذه الخيمة، ألا يكفيهم أنهم مشردون جائعون مقهورون؟!، أينقصهم فضيحة فاطمة هذه ليزداد شقاؤهم!، تبّاً للفتيات “بنات آخر زمن”، هذا جيل الجوالات، والانترنت “الله يستر علينا”.
تقاطع حديثهن زوجة مدير المخيم التي تتجه نحو بيت أهل فاطمة وقد سمعت بعضاً منه، فتقول:
“إني ذاهبة لبيت فاطمة، لأخبر أهلها أنهم قبضوا على العصابة التي قامت بخطف فاطمة مع امرأتين من مخيم ثان، حين كانت فاطمة عائدة من مشغل الخياطة، وهي الآن مع الامرأتين في “المخفر”.
بخجل وخزي طأطأن رؤوسهن بعد أن تبادلْن نظرات لومٍ، فكم جرحْن واغتبْن، وافترَيْن على طهارة ونقاء مشهود له.
وكم من طهارة تدنسها ألسنة الزُّور والافتراء، وكم من ضحايا تتناثر أشلاؤها بين عقول ظالمة تنسج من بنيات أحقادها البهتان، وتساهم بإزهاق الأرواح التي حرم الله قتلها!