لا خيمة بلا مقابل… مستذئبي الثورة…
ريما خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
في المخاض…
رفعت يديها للسماء، ونظرت نحو الأعلى بعينين مليئتين بالدموع،
لم تحرك شفتيها، ولم تنطق بحرف، لكن ملامح وجهها المرهق كانت توحي بما ترسل للسماء من رسائل استغاثة،
صراخ ممزوج بألم كان يصدر من غرفة المخاض، وكلما سمعت صوتا زاد تضرعها،
إلحاح المضطر كان في دموعها المنحدرة على وجنيتيها، يسبح كجيش لا قائد له،
ثارت كلمات وفرت من بين شفتيها كلص هارب من حكم إعدام، تناجي ربها:
إلهي سترك ورضاك، إلهي اغفر لها ونجها.
غطت وجهها بكفيها، وعادت بذاكرتها لسنة مضت، حيث كانت ليلتهم الأولى في المخيم، حين نزحوا وهربوا بصعوبة من وابل القذائف والبراميل.
كانت ليلة شتائية باردة من ليالي شباط، حيث كانت سماؤه تسقط سقيعا يجمد الدماء في العروق، ويشل حركة الأطراف.
نزلوا من سيارة الأجرة وأنزلوا ما استطاعوا الفرار به من أغطية خفيفة تدثروا بها.
صرخة ألم جديدة من غرفة المخاض أعادتها من رحلة الذاكرة، وقفت وسارت نحو الباب، أسندت ظهرها له، وغرقت مرة أخرى بماض لا ينسى.
الأيام الصعبة التي أمضتها مع ابنتيها عليا ومروة وصغيريها مصعب وأسعد، في بيت أحد سكان المخيم، كانت أياما ثقيلة، تقصم الظهر.
أكثر من كان يشعر بهموم الأم، هي عليا البنت البكر، فهي سند أمها وبيت سرها، والبنت المقربة منها.
فشخصية عليا القوية، كانت تسند الأم التي تصغي لها وتستنير برأيها،
وخصوصا بعد استشهاد الأب؛ أول صدمة تلقتها العائلة منذ بداية أحداث الثورة، حيث كان الأب أول شخص يستشهد في البلدة برصاص حملة المداهمة.
بعد شهور من الوعود بالخيمة ومخصصاتها، تفاجأ الجميع في صبيحة يوم بمجموعة عمال نزلوا من سيارة وراحوا يبنون خيمتين بالقرب من خيام الرجل العجوز!،
سألتهم الأم:
هل هذه الخيام لنا؟
أجابوا بأنها الخيام التي كانت قد سجلت عليها منذ أول يوم نزحوا فيه.
انتفض جسدها الهزيل، بعد صرخة ألم جديدة من غرفة المخاض،
مسحت نهر الدموع، الذي اتخذ سواقي له في تجاعيد وجهها الأسمر،
نظرت إلى السماء، قالت بعد تنهيدة تدك الجبال:
سامحها يا الله، ابنتي ليست( عاهرة ) لقد فعلت ما فعلته لكي تريحني وإخوتها من ذل السؤال والعوز.
لقد باعت جسدها لحقير تاجر بدمنا وقوتنا، ابنتي ليست ( بغية)،
إنما هي فريسة وقعت بين فكي شخص استغل حاجتنا وضعفنا،
ابنتي عليا ضحية لهذه الأوضاع المزرية، التي حولت الحياة لجحيم لا مكان فيه للشرفاء والضعفاء،
لقد نهش جسدها الشريف، ذئب من ذئاب هذه الأحداث، فاغفر لها ياالله، وسلمها لي.
كم من أرملة لا معيل لها ولأطفالها، تعرضت لابتزاز واستغلال!
كم من شريفة رضخت لوحش قوي خولته سلطته على العبث بها!
رباه ما من حرة ترضى أن تأكل من ثديها، وأنت أعلم ياالله.
فتح باب غرفة المخاض،
خرج طبيب وممرضة، قال الطبيب:
الحمد لله على سلامة عليا يا خالة، أما الطفل فقد ولد ميتًا، كان ميتًا منذ أيام في رحمها، أين الأب؟
يجب أن يحضر ليأخذ طفله ويدفنه، وكي يواسي عليا بفقد صغيرها، فعليا متعبة جدا، وبحاجة ماسة للرعاية والاهتمام.
تهادت كلمات منهكة من الأم الحزينة، بعد أن توقف كل تفكير وتدبير، وتشابكت الأحداث، وهزت المصائب الأركان:
زوجها…. نعم زوجها ما…، ما، ويقطع كلماتها صوت رجل يلقي السلام،
السلام عليكم، أين عليا؟.
هل ولدت؟.