حب وحرب

202

ريما خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق


حمل فنجان قهوته بهدوء وضجر، وتوجه إلى الصالون، ترك فراشه وغرفة النوم والفوضى العارمة فيها،
فتح ( جهاز اللابتوب ) محاولا الدراسة، فقد اقترب وقت الامتحان، كان متلهفا جدا لينهي سنوات الدراسة في النروج ويحصل على الشهادة، ومن ثم الجنسية.
لم يستطع دراسة شئ، ولا التركيز على شئ، فغياب سارة وغيث ترك فراغا كبيرا في روحه وفي البيت،
فتح ملف الصور وراح يتنقل من صورة لصورة متأملا وجه سارة الطفولي وابتسامتها الساحرة،
انتقل لمقاطع الفيديو، عله يؤنس وحدته بحركاتهما وصوت ضحكاتهما،
براءة غيث كانت تشع من شاشة الجهاز، ضحكته، حركاته، وتلك القبل التي كان غيث يطبعها على وجهه، يكاد يشعر بحرارتها تسري في دمه.
آه لماذا سمحت لهما بالسفر إلى مدينة برغين ، والبقاء عند عائلة صديقي معتز،
صورة قديمة برزت، ولفتت انتباهه، يا إلهي هذه الصورة قديمة، منذ بداية قصتي مع حبيبتي سارة!!..
بلع ريقه وأخذ الفنجان، وارتشف رشفة روت جفاف حلقه.
رباه ما أجمل تلك الأيام، كم كانت لذيذة ودافئة ورائعة!!..
عاد بذاكرته إلى قبل سبع سنين، حين كان يؤدي خدمة العلم( العسكرية ).
في تلك الليلة، كان الملل يخيم عليها كشبح كبير، فتح جواله وأراد أن يكلم أحد الأصدقاء ليبدد وحشة الملل،
ولم ينتبه أنه أخطأ بكتابة بعض الأرقام، فجواله المعطل منذ يومين أصبح يمسح الأسماء.ألو….ألو…وصوت أنثوي ناعم يجيب، نعم من معي؟.
حين سمع الصوت أدرك أنه قد أخطا بالأرقام:

نعم أنا…أنا من معي؟..
أنت من اتصل يا أستاذ، من تريد، هل أستطيع مساعدتك بشئ؟!!..
صوتها الحنون الرقيق جعل قشعريرة خفيفية تسري في جسده، واجتاحته رغبة قوية بمتابعة الحديث مع هذا الصوت العذب:

نعم ياسيدتي، تستطيعين مساعدتي.
سكت لحظات، فكر ما الطلب الذي سيطلبه منها كي تبقى تتحدث معه.
قفزت لرأسة فكرة تجعل من صاحبة الصوت الجميل أن تتعاطف معه وتحدثه،
سيدتي أنا عسكري، في الجيش، أنا عريف وقد طلب مني الضابط الآن أن أطبخ له، طلب مني تحضير ( البيتزا )، وبصراحة، أنا لا أعرف كيف تحضر ، وإذا لم أفعل ماطلبه مني سأتعرض لعقوبة شديدة،
فطلبت رقما عشوائيا على أمل أن يكون صاحب الرقم امرأة فتساعدني في هذا الأمر، أمي وأختي تنامان باكرا، وإلا كنت اتصلت بإحداهن…
جاءه صوتها ناعما كمعزوفة مع زخات مطر ربيعية:

حسنا سأقوم بإعطائك خطوات تحضير البيتزا، كي لاتتعرض لعقوبة من الضابط.
أثناء الحديث عن تحضير البيتزا، عرف زيد أن اسمها سارة، وهي فتاة جامعية، تدرس التربية في جامعة حلب،
وكطفل صغير محروم من حنان الأم لفترة طويلة، تعلق قلبه بصاحبة أروع صوت، وعلى رأي الشاعر( والأذن تعشق قبل العين أحيانا )…
في كل يوم كان يختلق سببا ليتحدث معها، فقد دخلت حياته الجافة كسحابة مطر روت عطش روحه، الذي زاد بعد أن منعت الإجازات، وزيارة الأهل منذ بداية الأحداث.
وكما أن سارة كانت شيئا جميلا في حياة زيد، فزيد أيضا كان كبسمة أمل زرعت على شفاه حياة سارة.
مع مرور الأيام والتواصل المستمر بشكل يومي، خلقت حالة حب عميقة بين الطرفين.
سرى الحب في دمائهما كما يسري الماء في نهر مندفع من على جبل،
اعترف كل واحد منها للآخر بحبه،
كانت سارة ترى زيدا كل حياتها، وأمل عمرها، وحلما ترجو أن يصبح واقعا ذات يوم.
وبات الزواج حلم كل منهما،
ساءت الأوضاع في البلاد، انشق زيد ودخل تركية هربا من الدواعش الذين يريدونه معهم،
وبقيت علاقتهما على النت مستمرة خمس سنوات.
بعد كل اتصال كان يكبر هذا الحب ويعظم، ورغم البعد الجغرافي إلا أن التقارب الروحي كان أقوى وأعمق.
كانت سارة ترفض كل خاطب يخطبها، وتقنع أهلها أنها تريد الحصول على الشهادة الجامعية أولا ثم تفكر بالزواج.
أما زيد فلم يوفر جهدا محاولا العودة للبلاد لخطبتها قبل أن تتخرج من الجامعة، فلا تبقى لديها حجة للتمنع عن الزواج،
لكن ظروفه لم تكن تساعده، فمرة تغلق المعابر الحدودية، ومرة تسوء الأوضاع أكثر فيمنع من العودة حرصا على سلامته،
وهكذا مرت السنين عليهما بين ألم الفراق وأمل اللقاء.
تخرجت سارة من الجامعة وحصلت على الشهادة الجامعية، ومازال الوضع على حاله لم يتغير شيئاً.
في (حيش ) القرية التي نزحت إليها سارة مع أهلها، بعد أن أخرجهم النظام من البلدة،
خطبت لأستاذ التاريخ الذي تعرف عليها في مدرسة القرية حين كانت تدرس الأطفال، تطوعا،
هذه المرة كان الأمر خارجا عن سيطرتها، اذ أنه لم يعد بإمكانها الرفض.
اتصلت بزيد، وأخبرته أن زواجها من أستاذ التاريخ سيكون بعد أسبوع، اذا لم يعد من تركية، أما اذا حضر قبل نهاية الأسبوع فسيتحقق أملهما بالزواج.
هذا الأسبوع هو الفترة الزمنية التي طلبتها من الأهل للتفكير بالأمر، قررت جازمة، إن لم يعد زيد ستوافق هذه المرة مجبرة، فهي الأن محاصرة تماما.
في آخر يوم من المهلة كان يجب على سارة أن تعطي جوابها لأهلها،
رباه لماذا هذا الألم، لماذا لم يعد زيد، آه، معقول أن ينتهي حبنا هكذا؟!
أسئلة وأفكار تخنق الروح وتمنع الشعوربلذة الحياة.
كان الجميع يتناولون طعام الغداء، حين أتت ابنة الأخت الصغيرة تركض، جدي، جدي هناك من يسأل عنك،
يبدو أنهم غرباء، رجلان وثلاث نساء،
رحبوا بالضيوف، نظرت سارة من الشباك لتسطلع أمر الغرباء، تفتحت أزهار الربيع في فصل الشتاء، وتراقصت الطيور على أنغام هدير الماء، وارتسم قوس قزح بألوان زاهية،
كواحة فرح في صحراء جرداء أصبحت الحياة في لحظة حين وقعت عينا سارة على زيد بين الغرباء

قد يعجبك ايضا