ريما خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
أخذت الدواء، ووضعت رأسها على الوسادة هاربة من ألم يديها المكسورتين،
بدأ وجهها يتورم، أحست بحكة في بلعومها، شعرت به يضيق وأصبح التنفس صعبا.
طفح جلدي انتشر في أنحاء الجسم كله، ألم كحمم بركان تمركز في أسفل البطن،
من يسمع صوتها يظن أن روحها تنتزع من جسدها ببطء شديد.
اجتمع الجميع على صرخاتها المستغيثة بالخالق والخلق،
ولأن الأرض التي نصبت عليها خيامهم كانت أرضا زراعية فقد كان من المستحيل أن تصل سيارة لهذا المخيم في الشتاء،
لم يكن هناك طريقة لإسعافها غير حملها، وهذا يوازي صعوبة وصول السيارة للمخيم أيضا، اذ أن المستوصف كان في أعلى المخيم وهم في أسفله،
المخيم الذي كان على تلة،
وضعوها على كرسي وحمله كل أخ من إخوتها من جانب، بعد أن تحفى كل واحد منهما وشمر بنطاله للركبة، لتخفيف عرقلة الطين الذي تكووم كالمستنقعات.
حمل ابن الأخت المصباح ليشق لهما طريقا في ظلمة( اذا أخرج يده لا يكاد يراها ).
كانت طوال الطريق تصرخ وتستغيث بالله، وفي لحظات الألم الشديد كان يغمى عليها، وحين ينزل الإخوة الكرسي لياخذوا نفسا سريعا، كانت برودة الطين والمياه تجعلها تصحو، فتعود للألم والصراخ،
لم يكن في المستوصف إلا ممرض وحارس وسائق سيارة الإسعاف، لم تهدىء أوجاعها( إبرة المسكن ) بل على العكس راحت تتورم أكثر وتكاد تختنق،
اتجهت سيارة الإسعاف بها إلى مشفى أطمة، زاد الجو سوءا، مطر غزير ورعد وبرق، الشوارع خالية والظلام دامس، وصوت سيارة الإسعاف موسيقا فيلم الرعب هذا،
أمام باب المشفى.
نزل الأخ وصرخ:
إسعاف.. نريد مساعدة..
شابان يبدو أنهما حارسان:
يا أخي هذا المشفى مغلق الآن من أجل الصيانة.
طارت من غير أجنحة سيارة الإسعاف مرة أخرة قاصدة مشفى آخر.
ومرة أخرى، صرخ أحد الإخوة أمام مبنى المشفى:
معنا حالة إسعاف نريد طبيبا.
وجاءه الرد:
هذا المشفى لا يستقبل سوى حالات الحروق…
هامت السيارة باحثة عن مستوصف أو عيادة طبيب، أو حتى صيدلية مفتوحة لهذا الوقت المتأخر من الليل،
وصراخها العالي يختلط مع صوت الرعد، لقد نال منها الألم، لدرجة أنها فقدت القدرة على الحراك.
كالمجانين راح الأخوان يطرقان الأبواب، دلهما رجل على بيت طبيب قريب،
وقفت السيارة أمام بيت الطبيب، طلب منهم إدخالها للبيت، لم يكن ثمة وقت، أخبروه بأنهم منذ ثلاث ساعات وهم تحت وابل المطر في سيارة الإسعاف ومعهم مريضة توشك على الموت.
في السيارة قام الطبيب بفحصها وإعطائها الدواء بعد أن فتح لها وريدا ، وأخيرا بعد ساعات من الألم والصراخ هدأت كالميت.
فجأة سمع صوت صاعقة نزلت مترافقة مع خيوط المطر القوي.
وأخيرا انتهت ليلة الرعب التي مرت ببطء وثقل كبيرين.
اضطروا أن يأخذوها لبيت عمها، حيث تستطيع سيارة الإسعاف أن توصلها لتنام ماتبقى من تلك الليلة العصيبة!!…