ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
امتلأت غرفة الاستقبال بالمرضى، ولم يبق مكان شاغر، صفان من المقاعد البلاستيكية، كل واحد منهما عشرة مقاعد.
بالقرب من كرسي العجوز السبعيني، جلس شاب في الثلاثين من عمره تقريباً، وبجواره فتاة يبدو أنها لم تتجاوز العشرين من العمر، الشاب الوسيم ذو اللحية الشقراء الخفيفة، والعينان الخضراوتان اللتان رقدتا خلف نظارته الطبية، كان يبدو أنيقا ببنطاله البني، وقميصه الأبيض، أما زوجته، هي تبدو زوجته، من همسهما ونظراتهما التي تجعلك تتأكد أنهما في شهر العسل.
ساد صمت وهدوء إلا من ضحكات العروسين، وهمسهما…
العجوز السبعيني ، كان يغفو بين الفينة والأخرى من ملل الانتظار الطويل المقيت، ومن لذة تلك الغفوة، كانت توقظه ضحكة عالية تسربت من غير قصد من العروسين. يفتح عينيه ليرى من هذا الفظ الذي عكر عليه نومه الهنيء، فتقع عيناه اللتان غطاهما شعر حاجبيه الطويل، وبالكاد يرى من فتحتيهما الصغيرتين الشاب والفتاة الجالسين بقربه، يبقى للحظات يتأمل الفتاة، التي وضعت ساقا على ساق، وكأنها مسؤول يجلس خلف مكتب وزارة، بنظارتها الشمسية التي وضعتها على رأسها فوق منديلها، وجلبابها الخمري القصير، وبنطالها الأسود الضيق. فيرمقهما بنظرة غضب، وكأنه يقول:
( جيل أخر زمن )، ثم يعود لغفوته…
كل من في الغرفة، كان ينصت ويحاول استراق السمع، الكل يتمنى لو يستطيع معرفة حديث العروسين، حتى تلك العجوز ذات التجاعيد الكثيرة في الوجه، عيناها تشرئبان نحوهما، وتتابع تحركاتهما حركة، حركة…
ضحكة بصوت عال مرة ثانية تهز أركان السبعيني، يفتح عينيه، ينظر إليهما، والغضب يتطاير من عينيه، وكأنه يقول لهما:
( إذا لم تستح فاصنع ما شئت )، ويعود لغفوته اللذيذة بعد أن يعد بعينيه الأشخاص الذين سيدخلون قبله إلى الطبيب.
العروسان لم يشعرا بمرارة الانتظار كما الجميع، فقد كانا غارقين بحديث عذب،
وكأن لسان حالهما يقول:
( ليس مهما أن يتأخر دورنا في الدخول إلى الطبيب، وتطول ساعات الانتظار،
بعكس الباقين الذين تشدقت أفواههم من المثاءبة، وتكلست مفاصلهم من طول الجلوس وقلة الحركة.
أما السبعيني، الذي أمضى معظم الوقت نائما، فقد عاد انزعاجه من طول الانتظار؛ انزعاجه من تلك الضحكات التي كانت تقع في أذنيه كالصاعقة. فتعيده من عالم الراحة إلى عالم الملل والانتظار!!…