ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
قطرات المطر المتساقطة على زجاج النافذة، والتي تزامنت مع أذان الفجر، أيقظت شذى وزوجها زياد.
بعد الصلاة، جلس زياد يجهز ( الشلتيات ) وهي قطع قماش مخيطة ببعضها البعض، تفرش تحت أشجار الزيتون أثناء جمع المحصول،
أما شذى فبعد أن عجنت عجين خبز اليوم، وغطته بكيس بلاستيكي وبقطعة بطانية سميكة، كي تجده مختمراً، وتخبزه عند عودتها من البستان، كما تفعل نساء القرية القلائل المتبقيات مع أزواجهن، والذين لم ينزحوا من أجل رعاية أراضيهم مصدر رزقهم وقوت عيالهم، برغم القصف الذي لم ينقطع يومياً عن القرية، وذلك لموقعها الجغرافي في واد بين جبلين، تمركز على سفح أحدهما نقطة لجيش نظام الأسد، وعلى سفح الجبل المقابل له مقر لثوار المنطقة، وحين يحدث اشتباك بينهما، أو مناورات، تكون القرية مرمى قريباً للقذائف والصواريخ، التي أرغمت أغلب سكانها بالنزوح وترك أراضيها،
تساءل زياد عن كمية الطحين الكثيرة في عجنة اليوم على غير العادة، فقالت شذى بحنان الأمومة الفائض من عينيها:
- لقد طلب عاصم وهند مني أن أصنع لهما حلوى( الكماج )، أنت تعلم كم يحبانها، لذلك ضاعفت اليوم كمية الطحين.
ثم راحت تجهز طعام الفطور لابنيها، ليأكلا قبل ذهابهما إلى المدرسة، حين تكون هي مع أبيهما في البستان.
بدأ الضوء ينشق من ظلمة الليل الحالكة، ويضيء دروب القرية التي بدأت تمتلئ بأهلها، الذين ينتشرون في أراضيهم لجمع أرزاقهم.
فهذا ذهب مع زوجته وأبنائه ل”تعشيب” مازرعوا من مزروعات شتائية.
وذاك أخذ بعض الشباب والصبايا ليجمعوا موسم الزيتون، ومنهم من أرسل جرّاراً ليحرث له بستانه الذي سيبذره حين تجود السماء بأمطارها المنتظرة، لتجتمع بعرس مع الأرض المباركة، وتجود بغلال الخير والبركة.
اعتلت شمس كانون الأول الخجولة سماء الضيعة في ساعة الظهيرة، حيث اقترب موعد عودة شذى للبيت قبل زوجها، وذلك لتخبز، وتصنع طعام الغداء قبل عودة ابنيها من المدرسة.
ارتفعت شمس النهار، ووزعت دفئها الذي راح يحضن الأجساد التي امتصت من برد كانون وزمهريره وخزنت الكثير.
صراخ النساء والأطفال الذي تزامن مع أصوات القذائف، نشر الرعب في القرية.
كانت شذى قد أنهت طهي الطعام والخبز على ( التنور )، وبدأت بصنع (الكماج)، حين ضجت القرية بدوي القذائف، وأصوات الرجال المسعفين، وصراخ وعويل النساء.
قفز قلبها من صدرها، حين سمعت من يصرخ قائلاً: - سقطت القذائف في المدرسة اليوم، وهناك الكثير من الجرحى والشهداء.
أسعف رجال القرية مع رجال الدفاع المدني الجرحى من الطلاب والمدرسين، والقذائف تحلق كأشباح الموت في السماء.
وفي أرض الأفندي المتطرفة قليلاً عن بيوت القرية وضع الشهداء الصغار، ليصلى عليهم قبل نقلهم للمقبرة، ودفنهم بسرعة، مخافة قذائف الباغين، التي تستهدف التجمعات.
سبعة أطفال وأربعة مدرسين، استشهدوا بقذائف النظام الغاشم، الذي لون اليوم كل ألوان الحياة باللون الأحمر.
حلوى الكماج
خبز رقيق يخبز على التنور، ويوضع عليه العسل والسمن الحيواني.