جنازة حلم..

187

ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق.

كمن يمشي على جمر، ويصارع سكرات الموت، كانت تمرّ عليها الساعات طويلة، ثقيلة، وقد رحل عنها آخر ماتبقى عندها من صبر.
موعد استلام نتيجة التحاليل، التي أجْرَتْها هي وزوجها من أجل معرفة سبب تأخر الإنجاب، وقد مر على زواجهما سنة كاملة، سيكون الموعد في المساء.
هو لم يستطع احتمال مرارة الانتظار فركب سيارته، وانطلق نحو الأحراش، مختبئا من أحاديث العيون، ووجع التخمينات، أما هي فقد دخلت الغرفة الصغيرة التي قاما بتجهيزها، لطفل حلما طويلا بقدومه.
السرير الخشبي المزين بشرائط ملونة، ومحلّى برسومات حيوانات أليفة لطيفة، كان يستقر في وسط الغرفة، كملك راح يتباهى بتاجه المرصع بأشياء تسلب الأنظار، أما الدمى المتنوعة الأشكال والمختلفة الأحجام، فقد أخذت أماكنها في هذه الدنيا المصغرة لطفلهما.
أرنوب ذو الأذنين الكبيرتين، جلس بالقرب من السرير، وإلى جانبه فيلان بنيان بخرطوميهما الطويلين،
وعلى طاولة في الزاوية كان بابا سنفور يتّشح بالأزرق مع سنفورة، وقد حملا باقات ورود حمراء، وعلى الجدران علقت لوحات جداول مياه متعرجة نبتت على جانبيه الأشجار والأعشاب الزاهية الخضرة،
وقد وزعت الشمس أشعتها الدافئة على هذا المنظر الربيعي البديع.
أما السقف الذي طلي باللون الوردي الهادئ ليدخل راحة نفسية لكل من وقعت عليه عيناه، فقد أضاف على الغرفة جمالا آخر.
حتى باب الغرفة والشبابيك، نقشت برسومات نافرة رائعة.
جلست على الكرسي القريب من الشباك المطل على حديقة المنزل، شردت عيناها في كل ماتحتويه الحديقة، كانت تتنقل من شيء لشيء، وكأنها تبحث عن ضائع ثمين!!
حدثت نفسها بمخاوفها التي أكلت روحها، بين الشك واليقين:

  • أتراه يتركني إذا كنت أنا من لا أستطيع الإنجاب؟، أينسى كل أيامنا معا؟، أحلامنا، حبنا الذي حاربنا الدنيا لأجله؟، هل يقبل أن يحرم من كلمة أبي لأجلي، إذا كنت عاقرا؟؟.
    صرخت وكأنها لدغت من أفعة سامة:
  • لاا..لاا…لن يتركني، هو يحبني، هو تخلى عن الجميع من أجلي، وتحمل أن تكون بداية حياتنا في الغربة كي يثبت للجميع أنه أحسن الاختيار، وأنه كان على حق حين أنصت لصوت قلبه العاشق.
    وقفت مسرعة، ألقت نظرة شاملة على الغرفة وكل مافيها، قالت وكأنها تلقن نفسها كلاما يجب أن يترجم إلى أفعال:
  • لكنني لن أضعه في موقف يتعرض به لحيرة الاختيار، وألم التضحية التي سيدفع ثمنها طوال عمره.
    تحت شجرة وارفة الظلال أوقف سيارته، وافترش الأرض العشبية، شبك أصابع يديه ببعضها ووضعها تحت رأسه، وعلق عينيه بفسحة السماء، التي غطت بعضها أغصان الشجرة الكبيرة، عاد بذاكرته إلى الماضي، حيث تعاهد مع زوجته على البقاء معا أبدا وأن لا يفرقهما شيء غير الموت، قال في سره كمن يسأل شخصا ما:
  • هل ستنقض عهدها وتتركني إذا كانت النتيجة أنني عقيم؟، هل ستهون عليها سنتين من الحب والأحلام والشوق، والسعي لحياة زوجية تجمعنا تحت سقف واحد؟.
    صوت من الداخل يجاوبه بحدة ولوم:
  • لاتظلمها بتوقعاتها الجائرة، أنسيت أنها حاربت الكون، وتحدت الجميع من أجلك، أنسيت كم تحملت فقرا وتعبا وشقاء معك قبل أن تفتح بوجهك أبواب الرزق؟، وكم كانت عونا وسندا لك في غربتك، لقد وهبتك حياتها بكل تفاصيلها، وقاسمتك مر الحياة قبل حلوها.
    هب مسرعا، جلس، ونظر نظرة تائهة ترنو إلى اللامكان.
    قال بصوت عال وكأنه يلقي أمرا على نفسه، وجب عليه تنفيذه:
  • أعلم أنها أوفى من أن تتركني مهما كانت نتيجة التحاليل، لكنني لن أتركها تخوض ولجة التضحية وتحرم أجمل غريزة جبلت عليها، لن أحرمها من حقها بالأمومة، فهي حلمها الذي سردته لي كثيرا.
    كانت المفاجأة كبيرة في المساء حين ذهبا إلى الطبيب المشرف على وضعهما، الذي قال، وقد بدا التوتر والإحراج عليه:
  • لله في كل ما يحدث لنا حكمة، وقد يكون مايحدث معكما، فيه كل الخير،
    يؤسفني أن نتيجة التحاليل لكيلكما سلبية، لكن الله قادر على كل شئ، قد يرزقكما الأطفال حتى لو كانت النتيجة هكذا.
    نظرا في عيني بعضهما، حدق كل واحد منهما بالآخر، لمعت تلك العيون المعلقة بين الأمل واليأس، وبين الفرح ببقائهما معا، والحزن على حرمانهما من السعادة المنتظرة على أجنحة الأماني، ومعجزة الرغبات.
    وهكذا استمرت الحياة، غرقا في أسى امتزج بدموع الفرح والحزن معا!!!
قد يعجبك ايضا