أجنحة شمس..

176

ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق.

بعد عناء طويل، وأثناء تنقلنا بين المخيمات، انتهينا من أخذ استبيانات النازحين الجدد، لتسليمهم بعض ما يساعدهم على الحياة في المخيم، إذ أن الهجمة الشرسة التي شنّت على المنطقة كانت تحاكي الموت بكل جنباته. فلم تسمح لهم البراميل المتفجرة أن يحملوا معهم شيئا يسدّ الرمق. فكان تفكيرهم بالنجاة بأرواحهم وأبنائهم، يلغي التفكير بأي شيء آخر.
استأذنت الفريق الذي كان برفقتي لأدخل أقرب خيمة إلينا طلبا لشرب الماء، تقصدت إحداث جلبة أمام الخيمة التي شدّت انتباهي رسومات لطيور بأجنحة كبيرة، كانت قد رسمت عليها، من جميع الجهات.
خرجت من الخيمة امرأة في الأربعينيات من العمر، اقتربت أكثر وطلبت كأس ماء، فطلبت مني الدخول للخيمة، دخلت خلفها للداخل، فرأيت طفلة نائمة كملاك صغير، وبالقرب منها كرسي متحرك، من الواضح أنه لها.
الطيور التي رسمت على الخيمة من الداخل أجمل، وأجنحتها أكبر، وكل ريشة لوِّنَتٔ بلون زاهٍ، زاد من روعتها،
رسومات تكاد تنطق وتقول:
( هيا حلقي معنا )!!.
شربت الماء، وسألت المرأة عن الطفلة التي كانت تنام تحت سرب الطيور ذاك، وقد تناثر شعرها الأشقر على الوسادة، قالت وقد لاحت نظرة حزينة من عينيها، لتخبر عن حديث حزين آت:

  • إنها شمس، ابنتي، الشخص الوحيد المتبقي لي من عائلتي. فأبوها وإخوتها الثلاثة، جميعهم استشهدوا تحت القصف، في آخر يوم لنا في القرية.
    قالت هذا، وغصت بكلام أحسسته أكثر وجعا وأعظم. فسكتت لتبتلع حسرات ترافقت بعبرة ساخنة،
    لم أستطيع كبح جماحٍ فضولي بدا واضحا عليَّ، فسألت مستفسرة:
  • كيف استشهدوا جميعا؟، ولمن هذا الكرسي المتحرك؟، هل هو لابنتك شمس؟.
    جلست تحت قدميها، وأومأت لي بالجلوس بقربها، جلست وعيناي تلاحقانها كيفما تحركت، أخذت نفسا عميقا، وقالت بصوت منخفض، وكأنها تخشى أن تسمعها شمس النائمة:
  • شمس أصغر إخوتها، ومحبوبة جميع أفراد العائلة، وقد اعتادت أن تلعب كل يوم بأرجوحتها التي صنعها لها أبوها، وعلقها بشجرة الجوز التي كانت في أرض ديارنا، وبعد أن تعود من المدرسة، وتنهي دروسها، تذهب لأرجوحتها، تلعب بألعابها تحت الشجرة وتتأرجح كفراشة ذهبية الأجنحة، تحلِّق بين الأرض والسماء،
    وكساعي بريد العشاق، تحمل رسائل حب بينهما، وتغزل قصائد عشق يعجز عن نظمها الشعراء.
    في ذلك اليوم المشؤوم، وكالعادة، حملت سلة ألعابها وبدأت بنزهتها اليومية تحت شجرتها المحببة،
    كنا في البيت، أنا وإخوتها وأبوها،
    كان ابني الصغير نائمًا، وأخواه يساعدان أبيهما بنشر جذوع الشجر، التي نقوم بتجهيزها للتدفئة، في فصل الشتاء، فجأة تحوَّل الأمان إلى رعب، والهدوء إلى ضجيج قاتل،
    واختفت أصوات الضحكات والتغريد،
    إنها الطائرة ذات البراميل المتفجرة، فقد حفظنا صوتها
قد يعجبك ايضا