ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
أغلق باب الزنزانة بعد أن قذفها بوابل من شتائم وسباب ما أنزل الله بها من سلطان، حَبَتْ كطفلٍ في شهور الحياة الأولى، وجلست تضم نفسها بيديها الضعيفتين بعد أن نال منها الوصب.
سهام إبنة الثامنة عشرة ربيعاً، والتي اعتُقلت منذ ثلاثة شهور كرهينة، ليُضغط بها على أبيها وإخوانها الثلاثة، ليسلموا أنفسهم لأجهزة النظام الحاقد عليهم بسبب بطولاتهم في ساحات المعارك وعلى الجبهات.
اقتربت منها زميلاتها المعتقلات يواسين وجعها المتكرر والواضح جلياً على وجهها المدمّى وثيابها الممزقة.
قالت لينا وهي تضم لها أزرار ثوبها وتغطي بأجزائه ماظهر من جسدها:
-تبّاً لهم، تبّاً لعديمي الرحمة، إنهم مجرمون لا يخافون الله.
اقتربت الحاجة عائشة:
لابأس ياصغيرتي، ستفرج إن شاء الله، ستنتهي كل هذا المعاناة يوماً ما، فصبراً ياابنتي. هوت بهدوء بجسدها المرهق في حجر الحاجة عائشة، تساقطت دموعها كجمرٍ خرج من أتون: أريد أن أموت ياخالة، أريد أن أتخلص من هذا الذل والقرف، إنهم يتفننون بتعذيبي، كل يوم وسيلة تعذيب جديدة، وأكثر ما يوجعني أنهم…
وصمتت كصمت مقبرةٍ في جوف ليل، اختنقت الكلمات في حلقها، وترجمتها دموعها المتدفقة كسيل جارف:
إنهم يعتدون عليّ كل ليلة، وذاك الضابط القذر يقوم كل ليلة بدعوة القذرين أمثاله لمكتبه، وكأنه يدعوهم على مأدبة طعام. جلسَت بصعوبة وتابعت: -أشعر أني أريد استفراغ أحشائي قرفاً. ونظرَت لسقف الزنزانة وصاحت مستغيثة: -يا الله، خلّصني منهم لقد تعبت. قالت لينا بيأس: -لن تتخلصي منهم، حتى يعتقلوا أباك وإخوتك، لن يتركوك حتى يحصلوا على الأبطال الذين حرموهم لذة النوم. سهام: لن يحدث هذا أبداً حتى لو متّ خلف هذه الجدران، قبل أن يأتوا بي إلى هنا أرسلت لأبي رسالة، مع شخص تم الإفراج عنه، قلت لهم أن يتقبلوا موتي فداءً لحرائر سوريا، وأن يبقوا كما عهدتهم أشاوس، وشوكةً في حلق الطغاة، وأنا أعلم من أبي وإخوتي، لكنها كانت رسالة حبّ ووداع لهم.
صرخة قهر دوت في جنبات الفرع، حين أخبرت الحاجة عائشة سهام أنها حامل، وأن ماتشعر به هو أعراض حمل، لم تتحمل سهام الخبر، لقد نزل عليها كصاعقة قاتلة، أما باقي المعتقلات فقد غرقن في بكاء ونحيب لحالها، جثت على قدميها، حدقت بأرض الزنزانة،
راحت تتلمس بطنها ببطء، وتحرك شفتيها وكأنها تحدثها، وبحركة خاطفة هبّت كريحٍ عاتيةٍ وراحت تضرب رأسها بجدار الزنزانة، حاولت الحاجة والمعتقلات أن يمنعنها مما تفعل، لكنهنّ فشلن، فما شعرت به سهام من قهر وغلبة، مدّها بقوة جبارةٍ أنهت بها حياتها، كيلا تكون نقطة ذلٍّ واجبار تؤثر على عزم وإصرار أبيها وإخوانها في متابعة المسير للوصول لقضيتهم التي بذلوا من أجلها الغالي والنفيس.