رسائل الموتى.

573

ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
بعد إطلاق الرصاص الحي على المظاهرة النسائية في حي القابون بريف دمشق، اعتقل رجال النظام إحدى وعشرين امرأة ولاذت الباقيات بالفرار، حيث تسرّبت بعضهن بين الأزقة الضيقة، والأخريات اختبأن في البيوت.
قُيّدت الأيادي بالأصفاد، غُطّت العيون بالقماش الأسود، ووضعن في حافلة كبيرة اتجهت بهن نحو الفرع.
يد سهام التي اخترقتها رصاصة جعلت منها تصرخ بأعلى صوتها متألمة غير آبهةٍ بتهديد العسكري لها، سهام فتاة جامعية في كلية الآداب، خرجت هي وصديقاتها ونساء الحي بمظاهرة سلمية يطالبن بالحرية، وبحياة كريمة في ظل استبداد وتسلط الغاشمين.
وصلت الحافلة للفرع، سيقت النساء المصفدات لداخل مكان مجهول مخيف، في ممر طويل اصطفت على جانبيه الغرف الصغيرة (المنفردة)، حيث زُجَّتْ كل اثنتين في زنزانة منها، وبركلة من العسكري دفعت سهام ومعتقلة أخرى في إحداهنّ بينما كان يتم توزيعهن على المنفردات، صرخت المعتقلة مع سهام:
-ياكفرة… ألا ترونها تنزف؟ ستموت، يجب أن تأخذوها إلى المشفى.
اقترب عسكري من النافذة الصغيرة التي اعتلت باب المنفردة وقال مستهزئاً:
-(هيدي بدها تموت! لاتخافي عليها، متل القطط بسبع أرواح).
صراخ النساء تحت ضرب السياط وصعق الكهرباء في سراديب التعذيب كان ينسي سهام وجعها في ليلتها الأولى في المعتقل، وظلمة تلك المنفردة وبردها القارس المخيِّم في جوّها كان موتاً بطيئاً يأخذ الأرواح، ويترك الأجساد مرمية على قارعة الانتظار المرعب.
في صباح اليوم التالي، تسلّلت خيوط ضوء خفيفة هاربة من شقوق الجدران، لتعلن للمعتقلات بداية نهار يخفي في ساعاته الكثير من القهر والإذلال والموت.
في مكتب التحقيق وقفت سهام لساعات طويلة بجسدها المرهق المريض بعد أن رفض طلبها بالجلوس، إصرارها على نفي تهمة تحريض طلّاب الجامعة على الخروج بالمظاهرات أثار حقده عليها، فقال صارخاً:
-كفاكِ إنكاراً، منذ شهرين ونحن نراقب تحركاتك بدقة، ونعلم أنك رئيسة الخلية الإرهابية في الجامعة، ثم نظر ليدها التي ربطتها بشال كانت تلفه حول رقبتها أثناء المظاهرة وقد تبلّل بالدم النازف من يدها المصابة، وقال زاجراً:
-( بدكن حرية… وعم تخربوا البلد… وعلي لأعمل من جلدكن دربكات)،
وراح يصفعها بقوة على وجهها ويركلها على ساقها ليتهاوى جسدها الذي خارت قواه، وتقع على الأرض ويرتطم رأسها بحافة الجدار ويغمى عليها.
في اليوم التالي فتحت سهام عينيها لتجد نفسها مرميةً في المشفى، وقد قُيِّدت يداها وقدماها بحديد السرير، فبعد تعرضها للضرب المبرح وسقوطها أصيبت بارتجاج في الدماغ نُقِلت على إثره للمشفى، ورُفِعَ ملفّها للمحكمة، بتهمة تخريب البلد وإهانة شخص الرئيس.

قد يعجبك ايضا