ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
كانت خديجة عائدة لبيتها من عملها في مركز الهاتف، وقفت أمام البقالية تحت شقتها لتشتري لأولادها بعض الحلوى التي وعدتهم بها صباحاً قبل ذهابها إلى دوامها، صراخ نساء وصوت إطلاق نارٍ كثيف ملأ الجو، رجالٌ كثيرون يرتدون لباساً عسكرياً يحملون أسلحة انتشروا في المكان،
وكسيلٍ جارف يأخذ كل من يأتي في طريقه راحوا يعتقلون الجميع، الشيخ الكبير والنساء العجائز وكلّ من يقف أمامهم، عشرات الرجال والنساء اعتُقلوا، وكانت خديجة واحدةً منهم.
في مركز الأمن العسكري وجدت خديجة نفسها بين خمس وعشرين معتقلة في غرفةٍ خيم الصمت والكآبة عليها، جلست المعتقلات وآثار التعذيب والقهر واضحةٌ عليهنّ، منهنّ من اعتقِلت معها، والباقي اعتقِلن قبلها.
فُتح الباب، دخل النقيب وقال بعد أن بصق عليهنّ:
-تُرِدنَ إسقاط النظام!، وزعزعة أمن الوطن!، سترون الآن من سيسقط أيتها الساقطات.
وصاح بصوت زاجرٍ خشن:
-يا ملازم سعد.
دخل ومعه اثنان آخران:
-احترامي سيدي.
أريد هذه الحشرات أن تعلّق خلال دقائق (تُشبح).
وبسرعة تفوق الخيال، تعاونوا على (شبح) جميع المعتقلات بطريقة وحشية.
وقف النقيب أمامهنّ وهو يحمل في يده زجاجة خمر، وقد عُلّقْنَ بقضيبٍ حديدي ثُبّت إلى الجدار، راح يرمقهنّ بنظرات شهوانية مثيرة للاشمئزاز، ثم قال:
-أنزلوا لي هذه (وأشار لخديجة، فقد كانت أصغرهن سناً، وأكثرهن جمالاً).
أنزلوها وجرّدوها من ثيابها وهي مقيدة اليدين، وقد انعقد لسانها خوفاً مما سيحدث لها، وتحجّرت الدموع في عينيها، أمّا المعتقلات المشبوحات فقد أخذن يتوسلن أن يتركها وشأنها،
ضرب الأرض بزجاجة الخمر، استدار إليهن وقال:
-من ستنطق بكلمة أخرى، سأنزلها وتكون مكانها، فصمت الجميع أمام تهديده المرعب.
أمام الأربع وعشرين معتقلة والرجال الموجودين تم اغتصابها من قبل وحش بربري، سالت دماء الضعف والغلبة في سرداب البطش والبغي، واختلطت بدموع القهر والآسى، زُجّت خديجة في المنفردة بعد الحفل الدموي الذي رقصت فيه أشباح الذلّ والبطش على جسدها العاري، وبقيت المعتقلات مشبوحات لاستكمال التحقيق معهن، بانتظار انتهاء رحلة عذابهن، حتى لو بالموت!.
ليالي طويلة مظلمة باردة عاشتها خديجة في المنفردة، لا ترى أحداً ولا أحد يراها.
من أسفل الباب يرمى لها بطعامٍ تعافُ الحيوانات أكلُه، وكأنها مجرم خان الكون وليس الوطن فقط حسبما كانت تهمتها في الفرع.
كانت تغمض عينيها الباحثتين عن بصيص ضوء في تلك العتمة لتتذكر أولادها وزوجها، وجوههم التي كادت تنسى تفاصيلها لفرط ماتعرضت له من تعذيب وضرب على رأسها، تحاول أن تتخيل سماع أصواتهم، كلّ هذا يترافق مع أصوات المعتقلين المستغيثين، أصواتٌ قريبة وكأن أصحابها يسكنون أذنيها.
كانت خديجة نائمة بهدوء الزنزانة القاتل حين أحسّت بوخزةٍ صغيرة، جلست وتحسست مكان الألم، إنها نملةٌ قرصتها بقدمها، أمسكت بها وتأملتها جيداً، ثم خاطبتها مستغربة:
-ماذا أتى بك إلى هنا؟!، ماذا فعلتِ؟!، هل قمتِ بتفجرات؟!، هل خربت البلد؟!، لماذا جئت إلى هذا المنفى؟، سيقتلونك ويحرمونك أطفالك، لن تريهم أبداً، لقد أحضروني إلى هنا مقيدةً رغماً عني، لم أرَ أطفالي منذ زمن بعيد!، تعالي معي نهرب من ثقب الباب، أنت تعودين لأطفالك وأنا أعود لأطفالي، لقد اشتقت إليهم!.