رسالة إلى واقعي

640

ريما خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق

وأبدأ رسالتي بعد أن أمسح دموع القهر والعجز، والظلم من كل ممّا حولي:

“واقعي العزيز، يامن نحرت على أعتابك أحلامي، وسرقت فصول عمري التي كان من المفروض أن أعيشها مثل باقي البشر،

لكني مجبرة، جلست على قارعة الحرمان، ورحت أراقب آمالي التي نسجتها بحبال الرجاء والأماني، كيف كانت تتهاوى وتترنح، ثم تسقط في بئر عميق، كم تمنيت لو أنه كان بئر يوسف!!

عزيزي وقاتلي:

بعد عامي الأول زرعت خنجراً في خاصرة حياتي، فكبرت الطعنة معي، أكلت ونامت وترعرعت بين حنايا روح كسيرة، حاولت جاهدة التأقلم معها وأن أحبها، فهي رفيقتي التي ستدفن معي يوماً ما “فهي لن ترحل عني حتى لو رحلت أنا عن الطفولة”، كبرت ووجدت نفسي أعاني ولا أعلم كيف ولماذا!!

كل ما علمته أنني مختلفة بشيء نفَّرَ البعض مني، ويحبب البعض الآخر، أما الشيء الوحيد الذي أحسسته وتيقنت منه ومنذ نعومة أظفاري هو أنني سأبكي كثيراً، وسأتعرض لوجع لن يكون عادياً.

واقعي…

إليك أبعث لومي برسالتي الأخيرة، سأقول لك أني ولدت بعد نزوحنا من قريتي، قريتي وبيتنا “سجني الذي سجنتني في سنين عمري الطويلة”، منذ ثماني سنوات ولدت من جديد بعد أن عرفت أن هناك شوارع وبيوت وأماكن و “بشر”، لم أكن أعرف بوجودهم وأنا سجينة، هنا في مخيمات “أطمة”، على الشريط الحدودي لتركيا، بعد أن تنفست لأول مرة كما يفعل الناس!!

بعد صرختي الأولى في هذه المخيمات، أعدْتُ ترميم ما كسرت مني طوال سنيني المسروقة، فحلمت… وأحببت… وتعلقت في الحياة التي طالما حرمتني منها، بحجة أنني لست مثلهم “في وقت ما بعد ولادتي الثانية، أحسست أني مثلهم”

حاولت أن أحقق ذاتي، وأستغل تغير ظروفي المفروضة لَعلّي أبدأ لأكون “أنا” كما أريد، لا كما يريد من حولي.

سعيت، وسعيت، وسعيت… لكنك عدت لتغلق أبواب الحياة المواربة آنفاً في وجهي، ولتكسر مجاديفاً جبرتها بماء عيوني، وتقطع أوصالاً أعدت لها الحياة بخيوط أوردتي.

واقعي… يا ظالمي كما أهلي… ومحيطي… ومجتمعي… كلكم ظالمون، كلكم لا ترون مني سوى تلك الطعنة المتجذرة في جسدي، وتتناسون أن في صميم هذا الجسد روحاً عطشى للحياة وأريجها، وقلباً ما فارقه أمل في خوض واحات السعادة المختبئة في خيالٍ خجول قمعته أيادي الجهل والتخلف والتسلُّط.

كلماتي هذه أختصر فيها معاناتي الكبيرة منذ طفولتي إلى ساعة كتابة هذه الرسالة، هنا في عالمي الجديد، ومصطلحاته الجديدة، وكل ما يحمل من أحداث غزت عزلتي عن العالم، وأخرجتني للحياة من مقبرة الخجل، من وضعي، حاولت إثبات ذاتي بشخصيتي الجديدة، بأفقي الذي اتسع يوما بعد يوم في هذا العالم الحديث…

سيدي…

أنت اليوم وبكل هذه المؤسسات والمنظمات والمنصات و … الخ

لم تنسَ أنني “معاقة”، ولم تكفَّ عن معاملتي بهذه الصفة السوداء التي أبقيتني تحتها كل سنيني، ولن تنس أنت والجميع، ولن تكفوا عن رؤيتي أنني “عاجزة” برغم كل ما أمتلك من قدرات وإمكانيات، فأنا سأبقى حبيسة هذه الكلمة طوال أيامي، شكراً لك أيها الواقع الجميل، شكراً لأهلي، لمجتمعي، شكراً لأنكم قررتم أني شخصٌ غير صالح للحياة، شكراً لإنصافكم وعدلكم، نلتقي في محكمة العدل، في محكمة السماء…

قد يعجبك ايضا