ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق.
تكبيرات العيد التي عَلَتْ، وصدحت في أرجاء المخيمات، أيقظت العيون، وصحَّتها على نسمات الصباح الباردة.
على طول الغرف المصفوفةِ جنباً لجنب مئة غرفة، وفي المساحة الصغيرة أمام كل غرفة، افترشت الأرامل الأرض، هرباً من حرارة الصيف الكامنة كوحش بين الجدران.
نظرتُ إلى النساء اللواتي تراوحت أعمارهن بين الرابعة عشر إلى الستين عاماً، أرامل اتَّشَحَتْ بالسواد، واتَّخذَ الحزن والأسى له مقراً على وجوههن.
لم أرَ لطقوس العيد مكاناً في العيون المنكسرة التي ملأتها دموع الحسرة والفقد.
الخالة أم حكيم ذات الخمسين عاماً حملت سُبَّحَتها وراحت تنقل أصابع يديها المجعدة من هول السنين بين حباتها “حبة حبة”، وتتمتم بتسبيحات شفتيها المزمومتين، وتُبْحِرُ بعينيها الغائرتين في أوجاع أرامل صغيرات استشهد أزواجهن وتركوهن يكابدنَ هموم الحياة وقسوتها في متاهات المخيمات.
وكأنها تقول بصمتها الصارخ:
- ويلَ قلبي عليكن يا صغيراتي، كم ستعانين في معارك هذه الحياة الصعبة وحدكنّ مع أكوام اللحم هذه التي لا حول لها ولا قوة!!
أوْجَعَتْ قلبي أمُّ نزار التي كانت ترضع طفلها ابن الستة أشهر وهي تهزُّه سمعت همهمتها، لكني لم أفهم شيئاً.
التفتُّ لزوجة أخي المعتقل التي كانت تحاول تخبئة دموعها عن ابنتيها، وقلت:
“كل من حولي ساهمٌ واجم وكأن الطير على رأسه، لم أرَ من طقوس العيد شيئاً.
تسلَّلت إلى روحي أوجاعهن الكبيرة التي ضربت جذروها في أرواحهن، معلنة بذلك احتلال أيامهن، واغتصاب الفرحة في كل شيءٍ جميل، ونحرت كل أملٍ في قادم الأيام.
أما الأطفال الذين لم يدركوا مرارة ما هم فيه بعد، فقد غرَّدوا كعصافير الكناري، وعلت صيحاتهم وضحكاتهم لتقول للأمهات الحزينات، أننا مازلنا نحمل في أرواحنا بقايا من فرحة العيد.
بعد انتهاء صلاة العيد، لبس الأطفال ثياب العيد التي جادت عليهم بها المنظمات الإنسانية، وتجمعوا في ساحة مدرسة المخيم التي نصبت فيها الخالة أم حكيم أرجوحتين ليلة العيد، وخبأت في صندوق كبير ألعاباً اشترتها من “بسطة البالة”، وجهزت قبل بزوغ الفجر عربة “فول الصويا”، و “بسطة” علقت عليها بعض الحلويات.
ما تقتله نوائب ومصائب الأحداث، تحاول الخالة زرعه في نفوس جيل لا ذنب له سوى أنه خلق في زمن الحرب.