مواسم قهر
ريمة خطاب |شبكة مراسلي ريف دمشق
صفير الريح المزمجر غضباً، وأصوات (العوازل البلاستكية) التي ترتفع للأعلى وتنزل لتقبّل الأرض، ثم ترتفع مرة أخرى لتعزف موسيقا مرعبة، صخباً يصدع الرؤوس، ويطرد النعاس من العيون الذابلة.
تجمعت الغيوم المتفرقة، وحجبت النجوم، ونشرت ظلمة كالحة على وجه السماء، التي كانت تضيئها لمعة برق بين الفينة والأخرى، ثم تتبع اللمعة صوت رعد مدوٍ، يقضُ المضاجع، ويزيد الرعب لهذا الحدث المتوقع.
فتشرين الثاني، بوابة فصل الخير، في كل زاوية من العازل ربطت أمي (وعاء ماء كبير) لتخفف من لعب الرياح في الميدان المتهالك.
نهضت أمي مسرعة، ركضت لتقوّي من تثبيت حبال الخيمة المتراخية، لم تسمح لي بمساعدتها، طلبت مني البقاء قرب إخوتي الصغار النائمين. فأمي تخاف علينا جداً، وقد زاد خوفها بعد اختفاء أبي منذ خمس سنوات، حين كان يحاول الدخول لتركيا بواسطة مهرب محترف، من أجل العمل وتأمين ما يعيننا على قساوة الحياة بعد التهجير.
دحرجت حجراً كبيراً، كان بالقرب من الخيام، وبصعوبة شديدة ربطت به أحد الحبال، علّها تمنع تطاير العوازل وتسرب مياه المطر إلى داخل الخيمة.
كان الغبار المتراكم على أسطح الخيم، والذي نام طوال أشهر صيف المخيمات المغبّر، يمتزج بماء المطر، ليسيل طيناً لزجاً يجعل من المشي عليه خطراً يهدد من كان يفعل ذلك.
صراخ أمي الذي رافقته آهات ألم شديد، جمعت الجيران، ليسعفوا أمي بعد أن انزلقت قدمها، ووقعت بينما كانت منهمكة بشد الحبال.
عادت أمي مع خيوط الشمس الأولى، التي بددت غيوماً أحدثت في المخيم عاصفة هوجاء، وقد جبرت ساقها، وثبتت بجهاز تثبيت، منع حركتها.
أول نزول للمطر في شتائنا هذا العام، في مخيمات النزوح والتهجير على الحدود التركية، كان كهزة أرضية لم تنتهِ إلا بعد أن جعلتنا نعاني، ونرزح تحت سياط القهر والألم، وتركت لنا خلفها أوجاع أمي المتعبة، التي قد لا يجبر كسرها، وكسر أرواحنا التي تكالبت عليها مصائب الحياة، وجسارة البشر والحجر!