هل سيتم الاعتراف بالإسلام كديانة “سويسرية ” و نظرة الأحزاب للإسلام.
حسام النهار | شبكة مراسلي ريف دمشق
٢١ أكتوبر/تشرين الأول
يدور جدل منذ سنوات داخل أروقة السياسة السويسرية حول الإسلام , وحول علاقة الدين بالدولة ومؤسساتها العامة , ولكن إلى الآن لم يحسم الأمر بعد رغم إن المسلمين في سويسرا يشكلون نسبة أكثر من 5.1 من تركيبة المجتمع السويسري “حسب أحصاء 2018” , ويوجد في سويسرا مسجدين فقط الأولى في زيورخ والثاني في جنيف أكبر مدن , أضافة لوجود 120 مصلى رسمي متوزعين على أنحاء البلاد إضافة لـ 100 مصلى غير رسمي .
ومع إعلان الرئيس الفرنسي ” إيمانويل ماكرون ” بداية هذا الشهر ، خطة عمل مثيرة للجدل تهدف إلى التصدّي “للانعزالية الإسلامية بحسب تعبيره” الساعية إلى إقامة نظام مواز ، و إنكار قيم الجمهورية”.
فما حظوظ نجاح هذه الخطة التي من المرجح أن تتحوّل إلى قانون مع نهاية هذا العام , ومما دفع الصحافة السويسرية ببدء طرح أسئلة وتوجيه الرأي العام حول هذة القضية هل تواجه سويسرا خطراً مشابهاً لفرنسا ؟ وما مدى استعدادها للتعامل معه؟
ومع تصريحات الرئيس الفرنسي بأن الإسلام يجب أن يكون فرنسياً , ويجب إيجاد إسلام فرنسي بإمكانه التعايش بسلام مع قيم الجمهورية , وإصدار قانون سيرى النور قريباً من بنوده , تشديد الرقابة على التمويلات الخارجية لأماكن العبادة وفرض تكوين الأئمة على الأراضي الفرنسية وإلزام الجمعيات والمنظمات الإسلامية والنوادي الثقافية والرياضية باحترام علمانية الدولة, وتضيق الخناق على المؤسسات التعلمية الخاصة التي تنشر أفكار انعزالية تقسم المجتمع .
وبالنسبة لسويسرا ترى “مالوري شنوولي بوردي” الخبيرة في مجال علم اجتماع الأديان والهجرة والباحثة حول الإسلام والمسلمين في أوروبا والأستاذة المحاضرة بجامعة فريبورغ في حديث لها لوكالة سويسرا أنفو تشنل ,أن الوضع في سويسرا يختلف نسبياً عن الوضع في فرنسا “لأن المهاجرين المسلمين في فرنسا ينحدر معظمهم من أصول جزائرية ومغربية وتونسية، بينما المهاجرين المسلمين في سويسرا ينحدرون في العموم من بلدان البلقان: كوسوفو، وألبانيا ومقدونيا الشمالية، والبوسنة والهرسك، وجنوب صربيا ؛ وفي منطقة البلقان وحدها هناك تعددية، ناهيك عن وجود مهاجرين آخرين من بلدان إسلامية عديدة”.
رغم ذلك لا تنكر هذه الباحثة وجود بعض نواة لجيوب تميل إلى الانعزال والانغلاق عن نفسها على مستوى مناطق معيّنة، في ضواحي مراكز حضارية كبرى مثل جنيف ولوزان وفينترتور وزيورخ وسانت -غالن وبازل.
وبالنسبة إليها “في الوقت الحالي، هذه الجيوب لا تمثل خطراً حقيقياً على تماسك المجتمع السويسري، لأنها تكتفي برفض التواصل مع محيطها، وتعيش في انسحاب من المجتمع، وهذا يمثل مشكلة لها حصريا، ولكن لا يمثل تجاوزا للقانون ، أما إذا تحوّلت إلى جيوب تضع نفسها في مواجهة المجتمع، أو تريد محاربته، أو وضع قواعد بديلة للقوانين السائدة ؛ عندئذ فقط تصبح خطراً على المجتمع.
رغم ذلك ليس من المحتمل أن تشهد سويسرا جدلاً شبيهاً بما يحصل في فرنسا، لسببيْن رئيسيْن وفقا للدكتورة شنوولي:
أوّلا: “مادامت الهيئات الإسلامية في سويسرا منظمة قانونياً في شكل جمعيات مدنية، لأنه في هذه الحالة تكون الرقابة عليها خاضعة للقانون الخاص، وليس للقانون العام. ولن تتمكّن الجهات التي تريد تشديد الرقابة على المساجد من حيث التمويل والنشاط وتكوين الأئمة من القيام بذلك إلا بعد الاعتراف بالمؤسسات الإسلامية كهيئات منفعة عامة بناء على القانون العام”.
وثانيا: لا يمكن الزام الهيئات الإسلامية باحترام مبدأ العلمانية لأن الدستور السويسري لا ينص على أن سويسرا دولة علمانية تفصل بين الدولة والكنيسة (جنيف ونيوشاتيل يمثلان استثناء) .
ووفقا لشنوولي بوردي: ” لا تزال سويسرا تعترف بمساهمة الكنائس المسيحية التاريخية في بناء قيم التعايش المشترك … كما لا تزال الدولة تموّل الكنائس جزئياً ، وإن كان ذلك من خلال الكانتونات التي تتكفّل أيضا بتنظيم أوضاع المجموعات الدينية”، ولهذا السبب تضيف الباحثة السويسرية “توجد في سويسرا 26 طريقة مختلفة لتنظيم العلاقة بين الكنائس والدولة”.
لكن هذا الاختلاف لا ينفي اشتراك البلديْن في خاصيّة هي في الحقيقة قاسم مشترك للعديد من الأقطار الأوروبية، وتتمثّل في اللعب على عواطف الناس خلال المحطات الانتخابية عبر التلويح بورقة الهجرة والأديان والعنف ضد القصّر. ورغم مساعدة الديمقراطية المباشرة في الحد من تلاعب السياسيين بهذا النوع من القضايا الحساسة لأغراض انتخابية ، تقول مالوري شنوولي:”لم يمنع ذلك حزب الشعب خلال حملة حظر المآذن من استخدام نساء مرتديات للبرقع، أو استخدام الخرفان السوداء في حملته للحد من الهجرة، وفي الحالتيْن هو تلاعب بعواطف الناس، وهو تقريبا نفس الأمر الذي يحدث في فرنسا”.
هذا الجدل الدائر في سويسرا جاء على خلفية انضمام عشرات من الشبان السويسريين لتنظيم داعش الإرهابي أو تنظيم قاعدة الجهاد “تنظيم القاعدة” ومنظمات إرهابية أخرى منصفة عالميا ً , حيث يحاول حزب الشعب السويسري “يمين متشدد” إن يحمي سويسرا بإصدار قوانين بترحيل ومنع العناصر الذين انتسبوا أو قاتلوا إلى جانب تنظيمات مصنفة إرهابية ,و المطالبة بوضع الأئمة تحت المراقبة وعدم السماح بإلقاء الخطب الدينية إلا بإحدى اللغات الوطنية السويسرية. كما ينبغي التوقّف عن السماح بتقديم خدمة الرعاية الروحية في الجيش أو في السجون عن طريق الأئمة.
أما بالنسبة للحزب الاشتراكي الذي يعول على الاندماج والاعتراف والوقاية. في هذا السياق، يُحيّي الحزب اليساري المبادرات التي قُدمت في بعض الكانتونات (فو ونوشاتيل وبازل المدينة وزيورخ)، بهدف الاعتراف الرسمي العلني بالمسلمين المنظمين في اتحادات عامة كجماعة دينية, يرى الاشتراكيون أنه يجب على الأئمة أن يكونوا ملمين بالأوضاع المحلية وكذلك بالقانون السويسري وأن يتقنوا اللغة الوطنية التي يتحدث بها أهل المنطقة التي يعيشون فيها ,دعا رئيس الحزب كريستيان لوفرا إلى الاعتراف بالدين الإسلامي كدين رسمي في سويسرا، إلا أنه يتعيّن على المجموعات الإسلامية أيضاً أن توفي بالتزاماتها. فيجب عليها أن تكون منظمة بأسلوب يتميز بالديمقراطية والشفافية وأن تعتنق فكراً إسلامياً عصرياً وتقر بحقوق الإنسان. وفي المقابل، فإنهم سيحصلون – وفقاً لتصور الحزب الاشتراكي – على الحق في تلقي أموال ضريبية وفي أن يُتابع أبناؤهم دروساً في التربية الإسلامية بالمدارس العمومية.
بينما يطالب كل من الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الليبرالي الراديكالي , بزيادة الرقابة الحكومية على الخطباء وكذلك لتعاون جيد بين السلطات مع الاتحادات والمنظمات الممثلة للمسلمين , ووضع قانون للعقوبات لتجريم الإرهاب بما في ذلك الإعداد للعمليات الإرهابية بل وأيضا أي أشكال لمساندتها, ووجوب دعم جهاز الاستخبارات في مجابهته للإرهابيين بمزيد من الموارد البشرية والمادية. وكذلك دعم شرطة الحدود حتى لا يتسلل أشخاص ذوي فكر إرهابي إلى داخل سويسرا بدون التعرض للرقابة.