ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق.
أغلقت سحاب باب الخيمة، واندست في فراشها بالقرب من أختيها، نوال، وهناء، اللتين شردتا بسقف الخيمة، المزين بقماشة بيضاء كبيرة، صنعت بأنامل أنثوية مبدعة،
فقد تفننت الأخوات الثلاثة بوضع لمساتهن في الخيمة التي صارت بيتهن الجديد، بعد تهجيرهن مع والدتهن، منذ خمس سنوات.
برغم الجمال المنتشر في الخيمة، لكنه لم يخفِ جو الكأبة المتغلغل في نفوس ساكنيها،
فالحزن المقيت الراقد قي قلوبهن، قد سلب كل فرحة في حياتهن، منذ تلك الحادثة التي غيرت مجرى حياتهن، منذ سنة، حين وقعت مشاجرة في المخيم بين أبي سعدة وأحد الرجال، وكان السبب لعبة بين ابن سعدة وابن الرجل.
كان الخلاف على لعبة كرة قدم،
بعد شجار عنيف، وتراشق بالألفاظ والشتائم، أخرج أحد الرجال سلاحا كان قد علقة في صدر خيمته( روسية )، وأطلق النار، والغضب يرافق كل رصاصة، فأردى بابن سعدة قتيلا،
لتكون تلك الرصاصة، شرارة ثأر حصدت أرواحا بريئة من الطرفين،
وكان أبو سعدة وخطيبَيْ أختيها، قد دفعوا ثمن اشتراكهم بالثأر وقتلهم لشابين من العائلة الخصم، فحكموا بالسجن خمسة عشرة سنة،
لم يكن ابن سعدة حزنها الأول، بل كان شجنا موصولا بأسى فقدها لزوجها، الذي خطفته يد الغدر، من قطاع الطرق الذين قتلوه وسلبوا سيارته وحمولتها، في طريق عودته من عمله، في المخيم المجاور.
أما أم سعدة والتي أذابت جسدها كثرة الأمراض، فقد ماتت حزنا على ماحدث لعائلتها، زوجها وصهريها، في السجن، وحفيدها الذي تربى في حضنها، دفن في أحضان ثأر وعداوة كان ثمنها غاليا جدا.
أثقلت اللوعات بآهاتها على روح سعدة، فتاهت بين شعاب أوجاعها،
أتبكي ابنها؟
أم أمها؟
أم زوجها؟.
أما أختاها فتلك دمعتها التي لم تستطع ذرفها، فتحجرت في مقلتيها،
وردتان متفتحتان، منطلقتان نحو الحياة.
فجأة تذبلان وتجف الأوردة، وترتمي
أحلامهما على أبواب السجون،
وعمود البيت، وسند الجميع، تطبق عليه القضبان، كَفَكَّيْ وحش مفترس،
ياإلهي!!!
أي دمار شمل العائلة!!!
ماذا سيحتمل هذا القلب المكلوم؟!!!
صوت رصاص كثيف أفزعها وأختيها، وأصوات صراخ رجال، ووقع أقدام كأنه سباق!!
فجلسن جميعا مرعوبات،
قالت سعدة بلهفة مسرعة:
- لاتخافا، سأخرج لأستطلع الأمر، ابقيا في الخيمة،
هزت هناء ونوال رأسيهما، موافقتين، لم تستطيعا التكلم من شدة الخوف،
فبعد تلك الحادثة، لازمهما الخوف من أي شيء.
خرجت سعدة من الخيمة، واتجهت نحو تجمع أناس كانوا على بعد بضع خيمات، سمعت صوتًا يصرخ بلهاث ساخط:
( لن أرضى بدل أخي بكل رجال عائلتكم )،
ففهمت أنها مشاجرة، وقعت بين خصمين، اقتربت أكثر، أبعدت النساء بيديها وشقت طريقها، لتصدم برجل ممدد على الأرض، وقد خرجت أحشاؤه من بطنه، صرخت فزعة: - ياالله!!، وتراجعت ، فقساوة المنظر أعادت لها منظر جثة ابنها المقتول،
سقطت على الأرض، وعيناها مغمضتان، راحت تقبض بيديها على التراب، ثم تفتحهما لتتساقط حباته من بين أصابعها، وكأنها تسأل الأرض: - كم ستحضنين هذه المرة من أجساد بسبب التخلف و البغي والتهور؟!!،
كم ستدفن ببطنك أرواحًا لاذنب لها بهذا الثأر، الذي هدم البيوت، وشتت الأحباب؟!!.