ريما خطاب|شبكة مراسلي ريف دمشق
سأخطُّ على جدار هذه المقبرة قصتي التي أخوض فيها الآن أعتى المعارك.
فقد يأتي بعدي من يقرؤها ويعرف قصة مريم، إحدى الحرائر السوريات التي اعتقلت بتهمة خيانة الوطن الكببر بيديها الصغيرتين!!!
قلمي هذا المسمار الذي أخذته من قطعة خشبية كانت في سرداب المشبوحين، حين قادوني لهذه الزنزانة.
اسمي مريم،
عمري تسعة عشر عاما،
أنا وحيدة والديَّ، ومدللتهم، وحبيبة جميع أقاربي.
في بداية قيام الثورة في بلدي الحبيبة سورية، كنت أشارك في المظاهرات السلمية مع زميلاتي طالبات الجامعة، فقد جاءت هذه الثورة لتكسر حاجز الخوف، وتفتح لنا الأفق بالمطالبة بحق ممارسة حقنا كشعب حر يعيش على أرض حرة،
برغم خوف أهلي الشديد علي من ردة فعل النظام على حراكنا السلمي، إلا أنني آثرت المضي قدما مع الثائرين من الأحرار، آملين الظفر بأهدافنا،
اليوم وبعد الظهيرة اتصلت أمي بي وطلبت مني أن لا أتأخر بالعودة للبيت، لأن جدتي وجدي قد جاءا من القرية لزيارتنا، وأنهم لن يتناولوا طعام الغداء حتى عودتي.
فأمي تعلم أني بعد الاتتهاء من دوامي في الجامعة، سأخرج في مظاهرة مع طلاب الحامعة،
انطلقنا من أمام مبنى الجامعة وحناجرنا تصدح بأناشيد الثورة، والمطالبة بحريتنا،
كنت كفراشة أحلق بين الصفوف، أنادي، وأحفِّز، وأطالب، وكأنني في كرنفال ربيعي ثارت براعمه على الطغاة والمغتصبين،
أمام دوار المدينة تحاصرنا كسرب عصافير وقع في شباك الحاقدين،
حشرونا بسيارتهم عنوة، وأخذونا لمركز عسكري أنشأ في المدينة حديثا،
كنت مع بعض أصحابي في السيارة، لكننا تفرقنا حين وزعنا على زنزانات المركز.
بعد ساعة من وجودي في الزنزانة جاء السجان، وقادني لمكتب التحقيق، حيث كان رئيس المركز بانتظاري،
نظر بعيني بتمعن لدقائق، أحسستها ساعات، وكأنه يحاول ترهيبي بنظراته الجاحدة.
صمدت مقاومة، وتفكيري كله عند أمي وأبي وجديَّ، الذين ينتظروني،
بلمح البصر، وجدت نفسي بين يديه، كلعبة أطفال!!
خطفني من مكاني وقال هامسا:
اسمعي ياحلوتي، معك نصف ساعة تخبريني فيها عن عملكم مع باقي المخربين، وعن الخلايا التي تعمل في الخفاء على تخريب الوطن. لم يسمح لي أن أتنفس، وتابع: اليوم مزاجي سيء جدا، ليسى لدي صبر لاحتمال إنكارك، لذلك اعترفي بكل شيء وبسرعة.
وتطاير الشرر من عينيه الوقحتين،
لا أنكر أنه استطاع زرع الرعب في قلبي، وأنه لاحظ ذلك بعيني الخائفتين،
وبحركة مفاجئة حملني، وأجلسني على طاولة مكتبه، فسقطت الأقلام والمقص، وأوراق وأختام كانت عليه،
راح يجردني من ثيابي وأنا أقاومه، وهو يقول:
أنت مصرة على استفزازي بصمتك هذا، وأنا لاجلد لي. تناثرت الأشياء الموجودة على المكتب، ومشى كرسيه الدوار، وسحبت بيدي الستائر لتهوي علي، حبوت هاربة، صرخت مستغيثة، لكن شراسة الوحش أقدر من دفاعي الضعيف، تلون بلاط الأرض باللون الأحمر، وتهاويت كريشة طير سقط بفعل سهم قاتل، وأغمضت عينيَّ لأضيع في عالم اللا شعور، صحوت من الإغماء، حين كنت أسحب بين يدي عسكريين في سرداب التعذيب، حين كانت سقوعة الماء، ودم وبول المشبوحين يتسلل لقدمي اللتين تسحبان على الأرض. فخطفت نفسي منهما، وارتميت على الأرض، مما آثار غضبهما، فشرعا بضربي، وركلي، مع ذبحي بشتائمهما. في ظلمة دامسة بين هذه الجدران، وجدت نفسي، بعد بعضع دقائق من اعتداء ذلك المجرم علي، أعرف أني لأن أعيش أكثر من هذه الليلة، فدمي النازف بغزارة، سينهي حياتي ربما بعد ساعات، أو حين أنهي ما أكتب. هاهو الموت يتسلل إلي من مسام جلدي، يبتسم لي كمنقذ شهم رأف بحالي!! لا بآس عليك، سترتاحين من طغاة الظلم، ستتخلصين من كل هذه الآلام،
لكنني يامنقذي أود إخبار أبوي وجدي أن لا يقلقوا علي، وأن يآكلوا، فأنا أعلم أنهم مازلوا ينتظرونني على الغداء!! لا تقلقي هم سيعرفون بأنك وباقي الأحرار، صعدتم إلى السماء بعد أن أشعلتم شعلة الأمل في القلوب المتطلعة أبدا للحياة والحرية.