ريمة خطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق
بعد الاتفاق على عملية تبادل الأسرى، بين قائد فصيل الثوار والرائد مقداد، كان اسم عزيزة وهند بين أسماء المعتقلات الثلاث عشر، تم التسليم والإفراج عنهن في الرابع عشر من شباط في السنة السادسة للثورة السورية.
أمضت هند سنة ونصف في المعتقل، أما عزيزة فقد أمضت سنتي الاعتقال من مفرزة محردة إلى سجن حماة إلى فرع الأمن السياسي في دمشق، حيث التقت بعزيزة ومئات المعتقلات، كانت تهمهما متشابهة، لذلك قضتا وقتاً طويلاً في نفس الفرع بتهمة خيانة الوطن.
تركيا كانت الوجهة لهما بعد أن قُتل الأهل وطُلِّقت هند بسبب وصمة العار التي يلصقها البعض لكل معتقلة تدخل معتقلات الأسد.
أما عزيزة فقد تركها خطيبها بعد أول ليلة باتتها في المعتقل، فهو كما قال:
(أنا لا أتزوج من نامت في أحضان عساكر بشار).
نفّذ الثوار الأحرار رغبتهما بتوصيلهما إلى الحدود التركية، وتم دخولهما بصعوبة شديدة، ودّعتا أرض سورية التي تم رفضهما عليها بعد خروجهما من منفاها.
في أزمير حيث تعيش عمّة هند العجوز منذ أول الثورة سكنت هند وعزيزة، اللتان اتفقتا على العيش معاً لتشابه ظروفهما.
بعد تناول طعام العشاء قالت هند للعمة:
عمتي أريدك أن تساعديني. العمة: خير يا ابنتي. . ما الأمر؟ عمتي أنا وعزيزة لن نعود إلى سورية، ربما في هذه الأحداث على الأقل، نريد أن نفتح مشروعاً وأريدك أن تساعدينا بتمويل المشروع، فكما تعلمين خرجنا من المعتقل ومن ثم من سوريا لا نحمل ليرة واحدة، عمتي لن نرضى أن نبقى أمواتاً بعد أن بُعثنا من معتقل الموت ذلك، أريد أن أفتح مطعماً للأكلات السورية المشهورة، وسنرد لك كل ليرة حين نقوى ونتمكن ونثبت وجودنا في هذا البلد، ها… ماذا قلتِ؟.
وضعت العمة العجوز مسبحتها على الطاولة وقالت بصوت رفيع:
-حسناً وأنا موافقة، سأكون معكما خطوةً خطوة وعلى بركة الله.
بعد سنة وبضعة أشهر صار لمطعم الفتاتين السوريتين اسمٌ في السوق وأصبح له زبائنه، واستطاعت هند وعزيزة أن تثبتا جدارتهما بالجد والعمل والتفكير الصائب الحكيم،
وتُوّج المشروع بالنجاح، مما دفعهما لتوسيع نطاق العمل وإنشاء فروع جديدة في مناطق ومدن أخرى في تركيا.
خلاف هند وعزيزة على أمر إرسال المال لدعم الثوار لم يمنع أن تُخصّص نصف أرباح سلسلة المطاعم لهذا الغرض، كانت تقول عزيزة لهند:
-أتريدين أن تدعمي من رفضونا بعد الاعتقال!
أتريدين أن تدافعي عمّن لم يدافعوا عني وعنك بعد خروجنا للحياة من جديد؟!!، لقد أساؤوا لنا… وشوهوا سمعتنا، وكأننا ذهبنا بإرادتنا لمعتقلات الظلم والتسلط، جماعة النظام اغتصبوا أجسادنا، وهم اغتصبوا أرواحنا. قالت هند ودموعها على خديها: -لا يا عزيزة، ليس كل من نعرف لامونا وكانوا ضدنا، صحيحٌ أن بعضهم كانوا قاسين ودفعونا للسفر وترك الوطن لكنهم قلائل، أنسيت الشباب الأبطال الذين ساعدونا؟، أنسيت من سعى لإخراجنا من المعتقل؟، ومن أوصلنا إلى هنا، ولم نكن نستطع فعل ذلك لولاهم؟. لا ياعزيزة، وجود أشخاص سيئين لا يعني أن الجميع كذلك، نعم طلقني زوجي وطردني من البيت ومن حياته، وأنت فسخ خطيبك عقد الخطوبة بينكما، لكن صدقيني أنهم هم أيضاً ضحية للمحيط المتعصب وللمفاهيم المتصلبة، إن عقولهم مغتصبة أيضاً، أتعلمين أن مانرسله من مال يساعد الثوار على التقدم وتحرير ما أُخِذَ من أرض سورية الحبيبة، وبعضه يشبع الجياع المحاصرين وبعضه يداوي المرضى، تتنهد ثم تقول:
-أنا أتنفس هواء سورية في كل لقمة يأكلها طفل من بلدي، وفي كل لمسة شفاء تنتاب مريضاً.
انفجرت عزيزة في بكاء مرير، وصاحت بقهرٍ عتيق:
-تباً لكم.. تباً أيها المغتصبون الجبارون، بسببكم تركت بلدي وضِعْت في متاهات الغربة، ورمت نفسها بحضن هند وقالت بصوت يملؤه الحنين:
-اشتقت لسورية، اشتقت لروحي ياهند!!!.