أميرات في المخيمات

462

كل حدث له سلبياته وإيجابياته…
وقد نكون ضحايا لأحداث تأخذ منا ما يعادل الحياة، ويتركنا خلفه أمواتًا على قيد الحياة!!..
سنقرأ معاً قصة الفتاة التي كان موعد زفافها بعد عودة أخيها من المعركة التي فرضتها قوات النظام على قريته، وما الوصية التي أوصاها بها، وهل تزوجت؟ أم أنها التزمت وصية أخيها؟
لنتابع القصة…

ريمة خطاب |شبكة مراسلي ريف دمشق

تلك الفراشات الجميلات لفتن انتباهي، كنَّ ثلاث طفلات صغيرات في العاشرة من العمر وما دون ذلك تقريباً، ومعهنَّ فتاة في العشرينيات، ثيابهن المتشابهة والورود الملونة المصنوعة من القماش والتي زينت شعرهن “الخرنوبي” أثارت فضولي بقوة، وجعلت من قدميَّ تتسمران وتأبيان الحراك والوقوف وشدتني لمتابعتهن بحركاتهن الجميلة، فرشن حصيراً قديماً في ظل إحدى الخيام، وجلسن حول طبق كانت عليه بعض أكلات الأطفال البسيطة “شيبس وسكاكر وبسكويت” وأربع كؤوس بلاستيكة فيها عصير، اقتربتُ قليلاً لأشبع فضولي وأعرف ماذا يجري، وقفتُ قريباً منهن بجانب خيمة قريبة على الخيمة التي استظللن بها، كانت عيون الصغيرات متسمّرة على الفتاة الشابة التي كانت تروي لهن حكاية، ويتفاعلن مع كلماتها المؤثرة فيهن فتكسو وجوههن تعابير بريئة تتغير بانتقال الشابة من حدث لحدث، قالت الشابة معلنة نهاية حكاياتها المثيرة:
“بعد أن ودعت الأميرة سمو الأمير وأخبرته أنها ستبقى على العهد إلى الأبد وأنها لن تسكن في قصر أحد من الأمراء غيره، وأنها وهبت حياتها للزهرات الثلاث اللواتي طوق أخوها بهنَّ عنقها قبل رحليه، خنقتها دموعها التي انسكبت دفعة واحدة، كنهر حُبس طويلاً عن الجريان، اقتربت أصغرهن منها وقالت متسائلة خائفة:

  • مابك ؟!، لماذا تبكين؟
    نظرت الشابة للصغيرة، مسحت دموعها وابتسمت ابتسامة مزجت بأسى واضح، ثم وضعتها في حضنها وقبلتها، ونظرت للصغيرتين اللتين خبأتا وجهيهما بكفيهما الصغيرين تحاولان إخفاء دموعهما بحزن، ساد الهدوء لدقائق ثم قطعته كلمات الشابة وكأنها تريد إبعاد جوّ الحزن عن الصغيرات فقالت:
  • ياإلهي لقد نسينا أن نتناول “الأكلات الطيبة” بماذا سنبدأ؟، ومدت يدها إلى الطبق وحملت كأس عصير وقالت:
  • سنشرب العصير ونأكل البسكويت ثم نقضي على باقي الحلويات، وضحكت لتحثهنّ على الضحك والخروج من الكآبة التي خلقتها دموعها.
    نجحت الشابة بتحريك مجرى سفينة الصغيرات إلى جزيرة الفرح وعالم السعادة الذي كن يستمتعن بطقوسه، بدأن بالأكل والتلذذ وكأنهن نحلات يتذوقن رحيق زهور برية ويرتشفن العصير بأفواه ناعمة كمناقير عصافير طرية، كانت أيديهن تتسابق للوصول للفتاة الشابة، كي تضع بعضاً مما يأكلن في فمها وهي تفعل مايفعلن، فكانت تسقي العصير لهذه، وتطعم قطعة “شيبس” لتلك وتعطي الأخرى بسكويتة.
    شعرت بحميمية ذلك المشهد تسري في روحي كقطرات ندى في صباحات صيفية، وهدأت بكل جوارحي واستسلمت لأغرق أكثر في لُجَّة ذلك الأثير الممتع بكل جنباته.
    حملت إحدى الصغيرات الطبق الذي أفرغ من جميع محتوياته، ودخلت الخيمة وطوت الصغيرة الثانية الحصير، أما الطفلة الصغيرة فقد حملت دمية كبيرة تكاد تكون بحجمها وتبعت الصغيرتين لداخل الخيمة.
    اقتربت من الشابة التي تاهت عيناها في شفق الغروب حين بدأ يفرش جناحيه على قبة السماء الصافية، تنبهت لوجودي حين تقصدت إصدار أصوات من وقع قدميَّ على الأحجار والحصى المتناثرة في المكان، نظرت إلي بعينيها البنيتين الذابلتين، وأطلقت سؤالاً دون أن تحرك شفتيها الكرزيتين:
  • تفضلي… من حضرتك؟
    فقلت وقد أربكني جمالاً وبراءة ماكنت لأراهما وأنا أقف بعيداً بعض الشيء:
  • لقد أعجبتني حكايتك التي رويتيها لبناتك الرائعات، وقد شعرت بتلك الحكاية تلامس الروح بشفافية وعذوبة وقد أحببت أن أشارككن جلستكن الساحرة، لكنني امتنعت خوفاً من أن أكون متطفلة على اللمة الساحرة تلك، غصت بكلماتها التي تزاحمت مع دمعات سخية، وبسمة حانية تنمُُ عن مكنون طيبة ورأفة كبيرين، ثم غالبت كل ذلك وقالت:
  • الصغيرات الثلاثة ليسْنَّ بناتي، إنهنَّ بنات أخي الشهيد، الذي طلب مني رعايتهن قبل ذهابه للمعركة الأخيرة في حياته، قال لي:
  • إذا استشهدت ستكونين آخر من تبقى لهن فإذا لم أعد أعتني بهن، فأنت أمهن بعد أمهن رحمها الله، أما الحكاية التي نالت إعجابك، فالأمير خطيبي تركته بعد استشهاد أخي، وقد كان موعد عرسنا بعد عودة أخي من المعركة، وها أنا أرعى بنات أخي اللواتي يطلبنَ مني أن أحكي لهنَّ كل يوم حكاية الأميرة التي ابتعلت الحرب أخيها وحبيبها.
قد يعجبك ايضا