بقلم : عائشة محمد | شبكة مراسلي ريف دمشق
إحدى نتائج هشاشتنا النفسية هي أننا نقوم أحيانًا بتضخيم أي مشكلة تظهر في حياتنا إلى درجة تصويرها ككارثة وجودية، في عملية تسمى في علم النفس بـ”Pain catastrophizing”.
“هذه العملية هي عبارة عن حالة شعورية تعتريك عند وقوعك في مشكلة ما، تجعلك تؤمن أن مشكلتك أكبر من قدرتك على التحمل، فتشعر بالعجز والانهيار عند وقوع المشكلة، وتظل تصفها بألفاظ سلبية مبالغ فيها لا تساوي حجمها في الحقيقة، فيزيد ألمك وتتعاظم معاناتك، ثم ماذا؟ ثم تغرق في الشعور بالتحطم الروحي والإنهاك النفسي الكامل، وتحس بالضياع وفقدان القدرة على المقاومة تمامًا، وتستسلم لألمك، وتنهار حياتك كلها بسبب هذه المشكلة”.
يناقش الدكتور إسماعيل عرفة في كتابه “الهشاشة النفسية”، المؤلف من 199 صفحة، مشكلة الهشاشة النفسية بالدراسة من عدة نواحٍ: مظاهرها، وأسبابها، ومقترحات عملية للتغلب عليها.
يعتبر الكتاب محاولة لتوضيح هذا الداء في جيل زي/z (مواليد 1997 وما بعده) كما ذكر، ويتكون من مقدمة، وثمانية فصول، ثم خاتمة، وكل فصل منه يتناول استعراضًا موجزًا للمشكلة من زاوية منفصلة ثم محاولة إيجاد حلول مقترحة لها.
الفصل الأول عنونه الكاتب بـ”جيل رقائق الثلج“، ويوضح من خلاله ماذا يقصد بمصطلح “الهشاشة”، وذلك بتشبيه الجيل الحالي برقائق الثلج، لسرعة انهياره ولتعزز قيمة الفردانية فيه.
وشرح بأمثلة واقعية كيف أن الدلال المفرط أسهم بشدة في تشويه نفسية هذه الفئة، ويقول إننا “أمام جيل غير ناضج يرفض أن يكبر ويتحمل مسؤولياته، يتحطم سريعًا في العشرينيات، يميل لتهويل المشاكل البسيطة وتضخيم الألم لجذب التعاطف”.
فمن المفارقات التي ذكرها، أن مرحلة المراهقة الآن تتأخر وتمتد حتى عمر 25 بدلًا من 18، كما في الأجيال السابقة، ونصح بتعزيز دور التربية، لتحصيل المزيد من النضج.
في الفصل الثاني المعنون بـ”هوس الطب النفسي“، ينتقد الكاتب السعي المفرط وراء المعالجين النفسيين كثقافة عامة (موضة) عند أبسط الصدمات، في حين أن هذه الصدمات في الحقيقة هي جزء من تكوين الحياة.
ويشير إلى أن للجسم البشري طريقته في التعامل والتكيف مع الضغوط، كالبوح، واللعب، والمشي، والأكل، وأن الأدوية تمنع هذا الاتزان الطبيعي، إلى جانب مساوئ استخدامها على المدى البعيد.
وقدم عدة حلول لتجاوز الفترات السلبية التي يعاني منها المرء في مرحلة ما، كاللجوء إلى العلاقات الاجتماعية القوية، وملء الفراغ، وعدم اللجوء للأطباء النفسيين إلا بعد فترة طويلة، مع ترك مساحة للنفس لمعالجة مشاعرها بنفسها.
في الفصل الثالث، وهو “الفراغ العاطفي أم الفراغ الوجودي”، يوضح الكاتب أن الفراغ العاطفي ينشأ من عدة عوامل، أهمها وهن شبكات القرابة، وتأخر سن الزواج، وضعف الروابط الإنسانية، ودور الإعلام في تجسيد العلاقة بين الجنسين بتكثيف التطرق إلى الحب والرومانسية.
وفي الفصل الرابع، “السوشيال ميديا أصل كل الشرور“، يناقش مشاكل وسائل التواصل الاجتماعي، وأهمها أنها تعزز النرجسية، أي أن الجميع صار يدور حول نفسه ويسعى لتضخيم ذاته، ويظهر هذا بوضوح في تنافس على جمع “اللايكات” والتفاعل الإيجابي، ثم الخوف من النقد، فلا أحد يريد أن يخسر أحدًا، ما يؤدي إلى تمييع الأفكار والمعتقدات لتصبح “أفكارًا من ورق”، حسب تعبيره، أي أنها قابلة للتحوير على مقاس الجمهور وقت ما استدعى الأمر.
وأيضًا هوس التصفح والسعي وراء كل ما هو جديد، والبحث عن الإثارة وفقدان التركيز العميق.
وانتقل في الفصل الخامس إلى عنوان “لا تحكم على الآخرين“، ومن بعده فصل “مشاعرك أسوأ حَكم في حياتك”، ليصل إلى الفصل السابع بعنوان “مخدرات الشغف”.
وختم الفصل الأخير بعنوان “مفتاح النجاة: أنا مريض نفسي إذن أنا أفعل ما أريد”، وفيه حذر المؤلف فيه من موجة التساهل مع الإجرام بحجة مراعاة الحالة النفسية، لتصبح الحالة النفسية مبررًا لفعل كل شخص ما يريد دون رقابة أو محاسبة، فهناك فرق شاسع بين المرض النفسي و”النفسية المريضة”.