سجن صيدنايا “مسلخ البشر”! – لماذا أطلقت عليه تلك التسمية؟ – وهل هو مقتصر على السوريين؟
مروة الحسون| شبكة مراسلي ريف دمشق
افتُتِحَ سجن صيدنايا عام 1987، وهو من أهم السجون العسكرية التابع لوزارة الدفاع، تديره الشرطة العسكرية، ويقع قرب بلدة صيدنايا شمال دمشق، على بعد نحو 30 كم من قلب العاصمة.
يتألف السجن من مبنيَين؛ الأول هو الأقدم، وهو الشهير باسم «المبنى الأحمر»؛ يتألف من ثلاثة طوابق، تتوسطه كتلة رئيسية تتفرع منها ثلاثة ممرات طويلة، ليأخذ شكل شارة سيارة المرسيدس، أما الثاني، وهو الشهير باسم «المبنى الأبيض»، مؤلفٌ من أربعة طوابق، وله شكل يشبه حرف L باللغة الإنكليزية، مصمم بطريقة لا تدخله الشمس فيها من أي اتجاه كان!
في بداية الثورة في السورية عام 2011، كان سجن صيدنايا الوجهة النهائية لمعارضي السلطة السلميين، والمشتبه بمعارضتهم نظام الإجرام السوري، فأصبح السجن مكان الاعتقال الرئيسي.
اليوم يحتجز هذا السجن آلاف السوريين، بمختلف التهم ذات الصلة بالثورة والحرب في البلاد، بين متظاهر سلمي وعامل وإعلامي وثوري مسلح ومنشق عن جيش نظام الإجرام، والمئات من ضحايا عمليات الاعتقال العشوائي عند اقتحام القرى والأحياء وعلى الحواجز.
في سجن صيدنايا موقوفون لم توجّه لهم أية تهم، وآخرون خاضعون للمحاكمة أو محكومون في محاكم ميدانية أو محاكم الإرهاب التي تأسست بعد رفع حالة الطوارئ وحلّ محكمة أمن الدولة العليا، وفيه أيضاً يحتَجَز المحكومون بالإعدام بقرارات من محكمة الميدان العسكرية في القابون.
يُنقل المعتقلون في سوريا عموما إلى هذا السجن بعد قضائهم بضعة أشهر، بل وحتى سنوات رهن الاحتجاز في أماكن أخرى، وتحدث عمليات نقل السجناء إلى هذا السجن، في الغالب، عقب محاكمات، تشوبها عيوب صارخة، أمام محكمة عسكرية سرية، وبعضهم يُنقَلون إلى هذا السجن دون أن يَمثُلوا أمام قاض أو يعرفوا طبيعة التهم الموجهة إليهم أو إلى متى سيُحتجزون في هذا السجن!
تحدثت منظمة العفو الدولية إلى ناجين من سجن صيدنايا العسكري، إذ قالوا بأن عمليات الضرب تتم بشكل ممنهج ويومي، ويتعرض السجناء إلى ظروف لا تليق بالبشر، ومعاملة مهينة، إضافة إلى موت سجناء آخرين بشكل يومي. وحُرِم كثيرون من الطعام والماء لمدة طويلة. ويُطبق حراس، بشكل قاس، نظاما يقضي بالتزام السجناء الصمت المطلق.
ليس هناك استجواب في سجن صيدنايا؛ فلا يُستخدم التعذيب من أجل انتزاع المعلومات من السجناء، ولكن كما يبدو من أجل الحط من الكرامة الإنسانية، وإنزال العقاب، والإهانة، فيُستهدف السجناء بلا شفقة، لكنهم يظلون غير قادرين على “الاعتراف” لإنقاذ أنفسهم من مزيد من الضرب!
يقول الناجون إنهم يشعرون بالفزع من زيارة أفراد العائلة لهم لأنهم في هذه الحالة يتعرضون دائما لضرب وتنكيل أشد، ولا يمكن للسجناء الاتصال بمحام، وأغلب السجناء أأخبر عمال السجن ذويهم بمفارقتهم الحياة حتى يفقد السجين الأمل من الحياة ويحرم رؤية أهله أبدا.
منذ عام 2011، لقي آلاف من المعتقلين حتفهم في السجون السورية بسبب التعذيب، كما عانى عشرات الآلاف تعذيباً مروعاً. لقد تعرض المحتجزون إلى شتى أنواع العذاب من ضرب مبرح واغتصاب وصدمات كهربائية وتعليقهم في الأسقف من أقدامهم لفترات طويلة مع استخدام السوط، وغير ذلك من صنوف العذاب؛ بهدف انتزاع “اعترافات” قسرية منهم. فكل شخص يُشتبه في أنه معارض للحكومة السورية، يكون عرضة لهذا الخطر.
يفتقر السجناء في المسلخ إلى أبسط المقومات الإنسانية اللائقة، فالمحتجزون يتعرضون للموت بسبب الجوع، ولا يحصلون على الخدمات الصحية الأساسية، كما يموتون بسبب الالتهابات الناجمة عن الجراح التي يُصابون بها، والغالبية العظمى يعانون من مشكلات صحية عقلية حادة؛ بسبب الاكتظاظ ونقص التعرض لأشعة الشمس والتعرض لأنواع التعذيب السالف ذكرها.
في شباط/ فبراير من عام 2017، نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً بعنوان “المسلخ البشري”، تحدثت فيه عن ظروف الاعتقال والتعذيب والموت في سجن صيدنايا، بالاستناد إلى شهادات سجناء سابقين وضباط وحراس منشقين، وقدّرت فيه أن النظام أعدم ما بين 5 آلاف و13 ألف شخص شنقاً في سجن صيدنايا بين أيلول 2011 وكانون الأول 2016.
وفيما يلي بعض العبارات على ألسنة الشهود، والتي تعطي تصوراً عن الأوضاع الجهنمية في السجن:
كان الضرب مبرحاً جداً، وأشبه ما يكون بمن يحاول أن يغرس مسماراً في صخرة مراراً وتكراراً.
قد نمضي خمسة أيام كاملة بلا ماء للشرب أو للتنظيف أو لاستعماله في دورة المياه.
كان يتوفى شخص واحد يومياً في زنزانتنا خلال تلك الفترة، وكنا نضع الجثة ملفوفة ببطانية عند الباب، ويأتي الحارس صباحاً، ويتعين على شاويش الزنزانة أن يقول (جاهزين سيدي).
كانوا يمرون في طابور «القطار» مطأطئي الرؤوس، ومحاولين أن يمسك كل واحد منهم بقميص الشخص الذي أمامه. وكان ينتابني الرعب لمجرد مشاهدتهم مقودين إلى المسلخ.
بلغ عدد المعتقلين والمختفين قسرا على يد النظام السوري منذ 2011 حتى أواخر 2021، نحو 131 ألفا و470 شخصا، منهم3600 طفل و8037 امرأة، وفق إحصائيات الشبكة الحقوقية.
ومع ما أسفنا ذكره مما يحدث في مسالخ نظام الإجرام، ومع كثرة التقارير والإحصائيات المثبتة المتوفرة في متناول ومرأى العالم، لم تلتفت المحكمة الدولة إلى هذا الإجرام من قبل النظام في حق شعبه، وما زال الطاغية على رأس زبانيته لا يألون جهدا في إذاقة كل من طالته أيديهم أشدَّ ما يمكن للإنسان عيشه أو رؤيته أو السماع عنه!
إلى ديَّان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم