كُرّ يا عنترة وأنت حُرّ.

0 666

علي العيسى | شبكة مراسلي ريف دمشق

عنترة بن شداد، عبدٌ عبسيّ كان أسود، وأمه كانت أَمَة عند والده، وفي عادة أبناء الإماء لما تلد من سيدها يرتقي هذا الولد إلى الحرية، وينشأ منشأ الأحرار، وتصبح أمّه أم ولد وهي مرتبة بين الحرية والعبودية قد نشأت بالإسلام تمنع السيد من بيع هذه الأم، إلا أن سواد عنترة أبقاه بين المواشي يرعى الإبل والغنم بالحلب والصر.

لكن نشأةَ عنترة وشجاعته وفصاحته وكرم نفسه، استطاع أن يطغى على ظلام بشرته.

لقد بدأت قصة عنترة حينما أغار بعض العرب على عبس واستاقوا إبلهم فقال له أبوه: “كُرَّ يا عنتر فقال: العبدُ لا يحسن الكَرّ إنّما يحسنُ الحِلاب والصرّ، فقال كُرّ وأنت حُرّ، فقاتل قتالاً شديداً حتى هزم القوم واستنقذ الإبل.

أصبح بعدها فارس عبس وشاعرها، وله معلّقة لطالما تغنت العرب بها وهذه أبيات منها:
ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ مني
وبيض الهند تقطر من دمي
فوددتُ تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم.

أثبت عنترة للجميع أن الشجاعة والفصاحة ليست حكراً على الأحرار، بل هي للبشر جميعهم، ضعيفهم وقويُّهم، عبدهم وحرُّهم، هي رزقٌ من الله يعطيه من يشاء، لكنه كذلك أثبت أن الشجاعة والفصاحة لم تكن لتعرف عنه لولا أنه لم يتحرر ويأخذ صكّ إنسانيته المزعوم من بني البشر.

هناك عبارة مشهورة لسيدنا عمر -رضي الله عنه- يقول فيها: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟

وإن كانت القصة قد ضعّفها أهل العلم، إلا أن العبارة التي قالها عمر رضي الله عنه معناها صحيح وهذا ما كرّسه الإسلام، وهذا هو الذي جاء به التشريع.

لم تعرف الشرائع السابقة والقوانين قبل الإسلام وحتى بعده إلا في هذا العصر الحديث من ينادي بتحرير العبيد، ومن يشجع على تحريرهم، ومن يضمن حقوقهم، ويأتيك من يقول حضارة الغرب تسعى لتحرير البشر وهي من تمنح حقوق البشر، والإسلام قد سبقهم منذ ١٤٠٠ سنة.

ولقد انتهى زمن العبودية التقليدي من زمن، عندما أبرمت الدول اتفاقيات بذلك، إلا أن الطغيان البشري الذي اعتاد على امتصاص مجهودات البشر الضعفاء، والتسلط على أرزاقهم وأعمالهم، وجعل منهم أدوات كالجمادات، جاء بأشكال هي أعنف من أشكال العبودية القديمة، وذلك يرجع لخبرتهم القديمة في استعباد البشر، فتراهم قد استعبدوا البشر بالزراعة من قِبل الإقطاعيين وفي المعامل من قبل الرأسماليين، حتى أن كثيراً من الدول الحديثة استعبدت مواطنيها تحت مسمى المواطنة، وإذا قام أحد يصرخ فيهم متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار، يطالب بحقوقه، يصبح خارجاً على القانون، حتى أنه قد يصل به الأمر إلى أن يكون خائن أو إرهابي.

إنّ من أخطر ما تعرضت له البشرية من حملات العبودية، الاستعباد الفكري الذي من خلاله يبث المستبد أفكاره ويلزم الناس بالقوة أو بالخداع أو التزوير باتباعها حتى يحْرفهم عن معتقداتهم، وهذا الذي كانت تعمل عليه الدول الاستعمارية حتى تثبت احتلالها للبلاد، من تغيير اللغة الرسمية وجعل لغة المستعمر هي الأساسية وتغيير قوانين البلد والقضاء، وهذا اليوم تمارسه كثير من الدول ذات السلطة الواحدة، والحزب الواحد، حتى تقتل فكرة معارضتها في مهدها، فتراها تبث أفكارها في منهاج التعليم على كل مستوياتها المدرسية والجامعية، وتحول فكرة حزبها إلى فكرة اجتماعية وتلزم الناس بها.

قد يعجبك ايضا