علامات ترقيم..

148

علي العيسى | شبكة مراسلي ريف دمشق

الكثير منا لا يُسدد أغلب الأحيان في المواقف الارتجالية، بل القليل منا والقليل جدا من يتحلى بالأجوبة المسكنة المقنعة الملائمة، لما يحل به، يُصدرها فوراً وتخرج منه طبعا بلا تكلف، ما الذي جعل مشاعره تنتظم حتى استطاع أن يعطي الشيء حقه؟!

فهل اعتَراك خلط في بعض المواقف فلم تستطع أن تعبر بالشعور المناسب، وصدر منك تعبير لم يكن موفقاً لتلك اللحظة؟
وهل وُضعت بموقف كان لا بد له من قرار ينبع من صميم قلبك أن يكون حاسماً، لكن نظرتك السطحية للحياة عاجلتك واتخذت غيره؟

في اللغة العربية علامات ترقيم توضع لتعيين مواقع الفصل والوقف والابتداء، وأنواع النبرات الصوتية، والأغراض الكلامية في النصوص، علامات تظهر التعجب والاستفهام، وتحدد علاقة الجمل ببعضها، تحدد نبرة اللهجة عند القراءة، وتنوع نبرات الصوت فيها عند الإلقاء، حتى لا يقع القارئ بالخلط بين المعاني.

باختصار مع شيء من الفلسفة علامات الترقيم نقل لبعض المشاعر البشرية الحية للكتابة الجامدة.

إنّ الحياة تشبه نصا مكتوبا، يحتوي الكثير من التجارب وكثير من الأحداث التي لا بد من فصلِ تداخلها عن بعضها حتى تُفهم بطريقة صحيحة، لكن السؤال هل يوجد علامات ترقيم للحياة؟!!

علامات تبين مكان انتهاء الكلام، كالنقطة في علامات الترقيم اللغوية، علامات تدل على التعجب مما يجري أو تستفهم مما يحدث في الحياة، علامات تفصل بين أيامها وسنينها، علامات تفصل بين الحب فيها والكره، علامات تفصل بين الفرح والحزن، علامات تنظم حياة الإنسان التي يسير فيها، حتى تبين له مواقع الفصل والوقف والابتداء في هذه الحياة؟.

لم يعرف العرب في الجاهلية وبداية الإسلام علامات الترقيم، ولا حتى كانوا يعرفون النقاط، كانت سليقتهم العربية تكفي لفهم وتمييز الحروف وتكفي لفهم المقصد من الكلام؛ لأنهم هم أبناء اللغة أو بالأحرى اللغة خرجت منهم، فهم آباؤها وأبناؤها الذين رعوها ونمّوها، لكن لمّا دخلت العُجمة على الدولة الإسلامية، احتاجت اللغة العربية للنقاط ولعلامات الترقيم حتى تُفهم وتَظهر معانيها.

إن مجتمعاتنا اليوم بكل تأكيد ليست مثل المجتمعات في بداية الإسلام، فمع انتشار العجم باللغة، انتشرت بعدها -بسبب الغزو الثقافي على المسلمين- الهشاشة الثقافية والاجتماعية، فسابقاً كنت ترى جميع الناس بغض النظر عن عملهم، لديهم قدراً من العلم، اكتسبوه من طبيعة الدولة التي اعتنت بالعلم، وجعلته هدفاً وَمَقْصِدًا من مقاصدها، أما اليوم فقد درست كثير من العلوم والمعاني، واقتصرت معرفتها على المتعلمين، وأصبحت ثقافة المجتمع منصهرا ببوتقة الملل الأخرى، فما اِقْتَصَرَ على نقل العجمة إلى ألسنتنا فقط، بل نقلت كثير من الأخلاق والمشاعر والسلوكيات إلى أفراد الأمة التي لم نعْهدها، من الأمم الأخرى.

فلا بد لنا من علامات ترقيم تضبط مشاعرنا، وتضبط حياتنا، حتى تتضح معانيها ومقاصدها، كما احتاجت اللغة لتلك العلامات ليفهم الأعاجم معاني اللغة ومقاصدها.
فلقد أصبحنا أعاجم بالحياة، أعاجم بفهم مشاعرنا وفهم مقتضيات الحياة بفهم الرسائل التي تبثها لنا أيامها وسنينها التي هي بالحقيقة أولى ما يجب لنا أن نتعلمه لأننا نعيش في مضمارها، مضار الحياة الوحيد الذي لا يوجد غيره.

قد يعجبك ايضا