الحالة الشاذة…

0 179

علي العيسى | شبكة مراسلي ريف دمشق

قد يكون لفظ الشذوذ لم يُسمع سابقاً إلا في القواعد والأصول التي يخرج إحداها عن القاعدة الأساسية فسُمّي شاذاً، لأنه خالف القاعدة الأساسية التي اضطردت عليها كل الأمثلة.

ألا وأنه اليوم أصبح الشذوذ مصطلحاً جديداً، مصطلحاً لخلقة جديدة لم يخلقها الخالق ابتداء، بل سوّلت نفس العابثين أن أوجدوا هذه التطرفات في الأجناس البشرية، حتى يفسدوا الفطرة البشرية.

إن أعداء الله لن يصلوا إليه بكل تأكيد، لكن يحاولون جاهدين أن يُضلوا عباده الموحدين، ومع التاريخ الطويل لديهم مع أهل الحق، أفادتهم التجارب والمعارك أنه ليس بعد تغيير الفطرة سلاحاً يوجه لهذه الأمم القائمة على دينها، والتي كانت سابقاً قد تغلب في معركة وتخسر في أخرى، إلا أنها كانت بعد ذلك تقوم من جديد كشجرة امتدت جذورها بالأرض عميقاً، علِموا هؤلاء أنه لن يربحوا المعركة بحق مالم يستهدفوا جذور هذه الشجرة، ألا وهي الفطرة.

إن الله جلّ وعلا كان ينزّل تشريعاً في كل زمان ومكان، لرسولٍ من الرسل، وهذا التشريع قد يختلف عن تشريع آخر في بعض أحكام، إلا أن جميع التشريعات متفقة على توحيد الله بعبادته، وكانت هذا التشريعات جميعها ترتكز على الفطرة التي أودعها الله بني البشر، أودعها إياهم لما خلق أبويهم، لما أوجد آدم عليه السلام من الطين، ولما خلق حواء من ضلع آدم، ثم جعل هذه الفطرة تنتقل بين بني البشر في أصلابهم وتلد عليها صغارهم، كانت ولا تزال هذه الفطرة هي الركيزة التي تقوم عليها الشرائع، وهي كذلك الأرض الصلبة التي قام عليها الإسلام، والله تعالى لم يخص البشر فقط بالفطرة بل أوجد بكل الكائنات فطراً تناسبها، في الحيوانات والنباتات، وجميع هذا المخلوقات نرى كيف تهلك حين تتغير عليها فطرتها، وهناك حديث ذكر فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم كلام بقرة استنكرت من صاحبها ركوبه إياها وهي مخصصة للحراثة، استنكرت ذلك (١) وهي البهيمة التي لا عقل لها، لأنه يخالف الفطرة التي خلقها الله عليها.

هناك توافق كبير بين فطرة الله والشريعة التي ينزّلها الله تعالى، توافق شبهه بعضهم مثل توافق المشط، ومن معرفة أعداء البشرية بهذه الأمور اتجهت معاركهم من الشريعة نفسها نحو الفطرة، حتى يهدموا هذا الحصن الذي يحتضن الشريعة ويحتويها وينشأ فيه حتى تقوى في قلب الإنسان.

إن هجوم أهل الشذوذ على فطرة الإنسان بالتغيير والتحريف، لا يضر أهل الإسلام فقط، بل يهدد كل البشرية بمختلف أديانهم، حتى يهدد أولئك الذين لا يعترفون بالله ربّاً لأنه بالفطرة السليمة يحيى الإنسان حياة مريحة يلتمس فيها الهدوء والطمأنينة والراحة، وكما أن هذه الحياة خلقت لهذه الفطرة.

إن خطر الشذوذ لم تدركه البشرية إلى اليوم، فهؤلاء الذين يشرعون التشريعات التي تسمح بالمثلية والشذوذ، يسعون بكل تأكيد إلى الإسراع بنهاية العالم، لأنه بكل بساطة كل شيء محْكم بنظام يضعه صانعه، وهذه الأرض وضع الله لها نظام تسير فيه، والعبث بهذا النظام الإلهي يستدعي أولا سخط الله تعالى ثم يسبب بفساد هذا العالم، فإن نزع لبنة من أساس أي بناء متكامل سوف تكون سبب في انهيار هذا البناء، ألا وأن الفطرة هي الأساس الذي يقوم عليه البشر والعبث بها هو عبث بمصير البشرية جميعها.

لا يقف فساد الفطرة على الشذوذ، بل هو أكبره، لكن البشرية لم تصل لحدّ تقبل بسماع اسمه أو بالعيش مع أناس يقبلونه إلا بعد أن مارست أنواع مختلفة من الانحراف عن الفطرة، أنواع قد لا تدرك أنها انحراف لدقتها من ترك الدين والتشوه الأخلاقي المتدرج، لكن هذه جميعها هي السُّلم الذي صعد إلينا به الشذوذ، وإن محاربة أصل الوباء لا تكون إلا بقطع جذوره التي تغذيه، كما أن أفضل محاربة هي التزام النهج السليم الذي خلقنا الله عليه، فهو محاربة وزيادة وبضدّها تتمايز الأشياء.

(١) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: ((بَيْنَما رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ؛ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ؟! فَقَالَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَمَا هُمَا ثَمَّ، وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي، فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ؟ قَالَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَمَا هُمَا ثَمَّ)).

ينظر: صحيح البخاري، كِتَابٌ أَحَادِيثُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، باب حديث الغار، رقم 3471.

قد يعجبك ايضا