علي العيسى | شبكة مراسلي ريف دمشق
كانت قبيلة عبس من جمرات العرب، وهي تسمية تطلق على القبائل التي لا تدخل في جوار أحد لقوتها واكتفائها بنفسها، لكن المعارك الطويلة التي خاضتها عبس وخصوصاً معركة “داحس والغبراء” التي وقعت مع بني ذبيان أولاد عمومتهم، أجبرتها أن تبحث عن حليف لها، وفي آخر أيام معاركهم ساروا يريدون بني تغلب كي يدخلوا بجوارهم، فأرسل بنو عبس إليهم أن أرسلوا إلينا وفداً فأرسلت إليهم بنو تغلب بستة عشر راكباً منهم ابن الخمس التغلبي قاتل الحارث بن ظالم- والحارث هو الذي أخذ بثأر زهير بن جزيمة والد قيس ملك عبس- ، وفرح بهم بنو تغلب وأعجبهم ذلك.
فلما أتى الوفدُ بني عبس قال قيس: انتسبوا نعرفكم، فانتسبوا، حتى مرّ بابن الخمس، فقال قيس: أن زماناً أمنتنا فيه لزمان سوء، قال ابن الخمس: وما أخاف منك، فو الله لأنت أذل من قراد بمنسم ناقتي-طرف خُفّها- فقتله قيس، وأخذ بثأر خالد بن ظالم المري، فلما رأى ذلك قيس قال: يا بني عبس ارجعوا إلى قومكم فهم خير أناسٍ لكم فصالحوهم، فأما أنا فلا أجاور بيتاً غطفانياً أبداً، فلحق بعمان.
إن المعركة الأولى التي يجب أن يخوضها الإنسان هي في استقلال نفسه عن غرائزها، تأتي في بدايتها أن يحررها من الخوف، فهو يعتبر التحرير الأولى بالنسبة إلى غيره؛ لأن جميع الذي يليه يتبع له سواء باستقلاله أو استعماره.
ولو نظرنا إلى الخوف كحالة شعورية لوجدنا هو الشعور الناجم عن الخطر أو التهديد المتصور ويحدث في جميع الكائنات الحية كلها حسب فطرتها، فهو شيء فطري خلق الله عليه الكائنات، إذ به قد يكون نجاتها في بعض الأحيان.
إلا أن التكريس الكبير على إذاعة الخوف بين بني البشر، والممارسات الشديدة التي صدرت عن الطغيان البشري تجاه أفراد البشرية، جعل هذا الشعور يتطور حتى يصبح ثقافة كبيرة، وفي بعض الأحيان يصبح منهج حياة.
“الخوف من كل شيء ولأي شي واتجاه أي شيء”، هذا هو الذي يجب أن يسعى الإنسان لتحرير نفسه منه.
إن استمرار أنفسنا بالخوف اتجاه أشياء يجب أن نواجهها بل يجب أن نقاومها يشكل في أنفسنا تغييراً كبيراً في السلوك لا نشعر به إلا عند الحاجة للشجاعة، وحرْفاً كبيراً للفطرة التي خلق الله عباده عليها، هذه الفطرة السليمة التي تحفظ الإنسان من الانحراف والزيغ، وترده إلى عتبات الشريعة، وإن الخطر الكبير الذي يدعو لتحرير أنفسنا من الخوف هو نفسه السعي لسلامة أنفسنا؛ لإن الإنسان هو جوهرة هذا العالم الأرضي، وهو المكلف عن غيره من جميع المخلوقات في العبادة والإصلاح والإعمار، لهذا فإن أي انحراف يتعرض له في سلوكه سوف يعرقل هذه الحياة في سيرها، فما بالكم إذا أصابه الجبن والخوف! فأي إصلاح يصلحه وهو خائف؟
إن الله تعالى بيّن في القرآن الكريم والذي يمكن أن نطلق عليه كتاب تحرير الإنسان من كل شيء وربْطه بخالقِهِ الذي هو كل شيء، أنّ الرزق بيده، والضرّ والنّفع بيده، والموت والحياة بيده، والجنة والنار بيده، كما أنه يؤكد فيه أنه لا يستطيع أي مخلوق أن يحرك شيئاً في هذا الكون إلا بإذن الله فلماذا الخوف!
لماذا الخوف وكل شيء يجب أن تخاف منه على الحقيقة بيد الله، وليس بيد من نجعل لهم عروشاً على رؤوسنا، لماذا الخوف والله الذي بيده كل شيء يقول لا تخافوا إلا مني، لماذا الخوف والحياة بخوف تكاليفها الحقيقة أكثر بكثير من الحياة بعزة وشجاعة!
ولو أن الحياةَ تَبْقَىْ لحيٍّ
لعدَدنا أضَلَّنا الشُّجعانا
وإِذا لم يكنْ من الموتِ بدٌ
فمن العجزِ أن تموتَ جبانا.