الجيش السوري”قراءة تاريخية من الاحتلال الفرنسي إلى الثورة السورية”

0 478

علي العيسى | شبكة مراسلي ريف دمشق

عند التكلم عن الأمور العسكرية في منطقةٍ ما لا بد لنا أن نتكلم عن أمرين في البداية:
أولاً: الجيش أو القوة العسكرية على الأرض.
وثانياً: الموقع الجغرافي لهذه الأرض التي عليها هذا الجيش.
أما الأرض فإن لسوريا موقعاً جغرافياً مميزاً ومعروفاً من العصور القديمة، إذ هي بداية مهد الحضارات وهي صلة وصل بين قارات العالم القديم الثلاث، مما جعلها مكان لمعارك كثيرة قديماً وحديثاً، حيث كانت تدور بين القوى الغازية التي تطمع باحتلال هذا الموقع الاستراتيجي وبين أصحاب الأرض على اختلاف ممالكهم.
دخلت سوريا التي هي جزء من بلاد الشام تحت الحكم الإسلامي بعد أن كانت تابعة للروم، ومن بعد فتحها إسلامياً تعاقبت عليها دول إسلامية عدة، فهي بعد عصر الرشيد كانت عاصمة الأمويين، ثم دخلت تحت حكم بني العباس في الدولة العباسية وبعد ضعفهم مر عليها الحكم الفاطمي والأيوبي والمملوكي والعثماني الذي به انتهى الحكم الإسلامي عليها ووقعت بعده تحت الاحتلال الفرنسي.
لم يكن مصطلح سوريا معروفاً إدارياً في الخلافة العثمانية بل كانت بلاد الشام بالعموم جزء من الخلافة العثمانية وتحتها ولايات مثل دمشق وحلب وبيروت، وكانت لها منشآتها المدنية والعسكرية وكان قسم كبير من أبناء بلاد الشام مجندين في الجيش العثماني ضباطاً وعساكراً.
من هؤلاء الضباط والعناصر تشكل أول جيش لسوريا بعد سقوط الخلافة العثمانية والذي قام بمعركة ميسلون ضد الاحتلال الفرنسي، ولكن عندما دخل الاحتلال الفرنسي مارسوا سياسة إثنية خاصة في سوريا عززت دور الأقليّات في الحياة السياسية والاجتماعية عموماً، والعسكرية بشكل خاص.
فقد تم الاعتماد على الأقليات في فرق الجيش الفرنسي المختلفة العاملة في سوريا (الفيلق السوري La légion Syrienne، الحرس المحمول La garde Mobile، السرب L’Escadron) وكذلك الهجانة، والعدد الأكبر من هؤلاء الجنود كما تشير إحدى المذكرات التي أصدرها الشيوعيين بقيادة خالد بكداش سنة 1937 كانوا من المهاجرين من تركيا، أكراد ويزيديين والمسيحيين المعروفين ب”طوغلاركي”، ثم من الأشقياء الذين كانوا قبل دخولهم الجيش قطاع طرق ومهربين (١).
أما الضباط فقد كان يتم اختيارهم من أفراد العائلات المتنفذة لإدراجهم في سلك “القوات الخاصة” كي يحفظوا بذلك ولاء الأقليّات التي استقدموا منها بحسب وصف باتريك، وكان العلويون يشكلون ثمانين بالمائة من تعداد الجيش، خاصة في سلاح المشاة.
حتى أن اختيار الفرنسيين لطلاب الكلية الحربية في حمص ومنذ نشأتها كان يتم بحسب الطائفة والمحافظة لتمثيلها في كل دورة، فهذا ما بينه صاحب كتاب فلاحو سوريا في دورة 1939-1940 حيث قال: “من العوامل التي كثيراً ما تقدم في هذا الخصوص السياسية الموجهة نحو الأقليات التي اتبعها الفرنسيون بين عامي 1921 و1945، ومن الصحيح بالفعل أنه من بين كتائب المشاة الثمانية في القوات الخاصة العاملة في سورية تحت الانتداب الفرنسي، تألفت ثلاث كتائب بالكامل أو في الأساس من العلويين، ولم يدخل في تركيبها أي عربي سني، ومن الصحيح أيضاً أن من بین سرايا الخيالة الاثنتي عشرة التي تتوافر عنها البيانات، تألفت واحدة فقط وهي السرية 24 من العرب، ستة ريفيين من دير الزور والرقة، وضمت اثنتان هما السريتان 21 و25 بعض العناصر العربية السنية من قبيلة شمر أو من مدينتي إدلب وحمص، وجميع الوحدات الأخرى كانت من الدروز أو الشركس أو الأكراد أو الآشوريين أو الأرمن أو الإسماعيلية”(٢).
بعد الاستقلال قام أحمد الشرباتي بوصفه وزيراً للدفاع بإصدار أمر يحمل الرقم 466-س، بتاريخ 25 آذار 1948م، (قبل زحف الجيش السوري إلى معركة فلسطين بأربعين يوماً) بوقف التطوّع حتى إشعار آخر، وبتسريح العسكريين الذين قضوا في خدمة الجيش خمسة عشر عاماً أو يزيد وإحالتهم على التقاعد، وينقل الأستاذ عارف العارف شهادة مجد الدين الجابري النائب الحلبي في مجلس النواب، بأن الشرباتي كان يرمي من وراء القرار إلى التخلص من العناصر “الغريبة التي لا تمت إلى العروبة بصلة كالأكراد، والأتراك، والدروز، وما إلى ذلك” على حد وصفه.
إلا أن معروف يؤكد بأن الحكومة بعد الاستقلال بدأت بتشكيل الجيش على أساس وطني معتمدة على المتعلمين بالدرجة الأولى، وتقلل من طغيان طائفة معينة في ملاكه، فحلت التجمع الدرزي وأعادت ضباطه وأفراده النظاميين إلى الجيش ووزعتهم على القطعات بشكل متوازن، وتم تسريح عدد من الرقباء والجنود العلويين الأميين واستبدالهم بمتعلمين(٣).

لكن هذه المحاولات لم تنجح وخصوصاً بعد المتابعة الصارمة التي كانت تقوم بها الحكومة برئاسة شكري القوتلي على الجيش في قضايا فساد وإثراء لقواده، مما دفع العسكريين لإقامة أول انقلاب على يد حسني الزعيم، ويعتبر انقلاب الزعيم أول انقلاب في الشرق الأوسط وفي الوطن العربي أيضاً، وفاتحة تدخل الجيوش العربية في سياسة بلادها الداخلية، وقد وصفه فارس الخوري بكونه

“أعظم كارثة حلّت بالبلاد منذ حكم تركيا الفتاة”.
وبهذا الانقلاب بدأ مسلسل الانقلابات في سوريا الذي وصل لتسعة انقلابات عسكرية من 1949 إلى 1970، والذي انتهى بانقلاب وزير الدفاع وعضو القيادة القطرية بحزب البعث الفريق حافظ الأسد، ورئيس الأركان السوري مصطفى طلاس وكثير من الضباط البعثيين الموالين لحافظ الأسد في 16 تشرين الثاني 1970 على صلاح جديد الذي قام بانقلاب 1966.
وكان حال الجيش بعد انقلاب حافظ الأسد يتخلّله خليط من السنة والعلويين وغيرهم “فكان منصب قائد القوى الجوية بين عامي 1971 و1994 يشغله دائماً سنّة، وهم على التوالي ناجي جميل وصبحي حداد وعلي ملاحفجي، كذلك لم يعيّن سوی سنة في منصب مدير المخابرات العامة المدنية منذ عام 1970 إلى الآن، وهم عدنان دباغ وعلي المدني ونزیه زریر وفؤاد عبسي وماجد سعيد وبشير النجار، وبالمثل كان رئيس الأركان – حکمت الشهابي – بين عامي 1974 و 1998 سنياً، وكان مصطفى طلاس وهو سنّي أيضاً وزيراً للدفاع منذ عام 1972، غير أن أياً من هؤلاء الضباط لا يملك ولم يملك في أي لحظة سلطة اتخاذ قرارات حاسمة أو القيام بمبادرات مستقلة، ومن الواضح أنهم استمدوا سلطتهم من الأسد، ولم يكن لهم أي دعامة عسكرية خاصة بهم”(٤).
تزاید اعتماد الأسد على أبناء طائفته منذ “زمن اضطرابات” نظامه فصاعداً، فباستثناء التشكيلات العسكرية الخاصة الحامية للنظام التي يتمتع الضباط العلويون بسيطرة حصرية عليها على طول الخط، لم يكونوا يقودون في عام 1973 سوی فرقتين من فرق الجيش النظامي الخمس، أما في عام 1985 فكانوا يقودون ما لا يقل عن ست فرق، وفي عام 1992 سبع فرق من بين الفرق التسع التي شكلت في حينه الجيش النظامي السوري(٥).
ولقد كانت تستشري في هذا الجيش كل المخالفات الأخلاقية والمهنية التي تبدأ من الخمور إلى النساء وحتى الفساد والرشوة لدرجة أن الرشوة كانت في ضباطه وعناصره الصغار، فما كان يستطيع المجند الإلزامي في أغلب الأحيان أن يأخذ إجازة إلا برشوة ضابطه، وكانت تنتشر فيه شتم الذات الإلهية بشكل كبير حتى صارت عادة في الدروس الصباحية وكان السائد فيه ترك الصلاة والصيام إلا في النذر القليل من قطعه التي يوجد فيها ضابط سنّي ملتزم.
لقد شارك الجيش السوري في معارك عديدة منها معركة ميسلون وحرب 1948 و1967 و1973 ضد إسرائيل، كما أنه شارك بمعركة الخليج ضد الجيش العراقي وتدخل في لبنان وبقي فيها حتى 2005، إلا أن المواجهة التي أظهرت تكوينه الطائفي وولاءه لآل الأسد هي أحداث الثورة السورية التي قامت في 2011 ومازالت مستمرة حتى كتابة هذا المقال، حيث أنه قام بجرائم ومجازر لا يمكن وصفها، من قتل وقصف وتدمير للمدن، استخدم فيها كل الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، كما استخدم السلاح الكيماوي في واقعتين ضد المدنية العزل في الغوطة الشرقية وفي خان شيخون.
يمكن أن نقول أن الجيش العربي السوري اليوم عاد إلى ما نشأ عليه في زمن فرنسا بعد الانشقاق الكبير في عناصره وضباطه جرّاء آلة القمع والقتل التي اعتمدها في الثورة السورية، حيث عاد إلى مكوناته الطائفية ودعمه الخارجي الدولي ودوره في قمع الشعب الأعزل.

المصادر:
1 مذكّرة أصدرها الحزب الشيوعي السوري بقيادة خالد بكداش في أيلول 1937، تم نشرها في كراس تم ترجمته إلى الفرنسية وتم رفعه إلى المراجع الفرنسية المسؤولة في سورية وفرنسا، أعاد باروت نشر المذكرة كاملاً، انظر: باروت، التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية، ص875.
2 فلاحو سوريا، حنا بطاطو، ترجمة عبد الله فاضل ورائد النقشبندي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الاولى 2004م ،ص304
3 https://www.google.com/amp/s/www.syria.tv/%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D9%258A%25D8%25B4-%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A3%25D9%2582%25D9%2584%25D9%258A%25D9%2591%25D8%25A7%25D8%25AA-%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B3%25D8%25A7%25D8%25B3%25D8%25A9-%25D9%2585%25D8%25B1%25D8%25AD%25D9%2584%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AA%25D8%25A3%25D8%25B3%25D9%258A%25D8%25B3%3Famp
4 فلاحو سوريا،419-420
5 المصدر السابق،422

قد يعجبك ايضا