علي العيسى | شبكة مراسلي ريف دمشق
اجتمع قوم يخطبون في صُلحٍ بين حيّين قتل أحدُهُما من الآخَر قتيلاً، ويسألون أن يرَضوا بالدِّية، فبينما هم في ذلك إذ جاءت أمة يُقَال لها “جهيزة” فَقَالت: إن القاتل قد ظَفِرَ به بعضُ أولياء المقتول فقتله، فَقَالوا عند ذلك “قَطَعَتْ جهِيزةُ قول كل خطيب” أي قد استغنيَ عن الخُطَب…
مازال ينادي أصحاب العقول والذين أنضجتهم التجارب أن الحق لا يعطى ويُسلّم تسليماً، بل ينتزع انتزاعاً، فمن تعوّد على الطغيان، وكانت حياته مسرحاً لسحق كرامات الناس، وسلب حقوقهم، والبطش بآرائهم، كيف يتصور أن يخنع في يوم له فيه الغلبة، أو يقف على مطالب كتبها في حال نصر.
إن الفرص لا تأتي كثيراً، ومن الزمن الطويل يردد العامة أنه ” إذا فاتت ماتت”، كما أن قطار الفرص لا ينتظر أحد، يحمل معه فقط الذين يقفون على المحطات وقد جهزوا أمتعتهم وهم في استعداد حتى يأتي هذا القطار، الذي هو معلوم عندهم وقت مجيئه، ووقت انطلاقه.
وإن من المهلكات التي تفوت الفرص، انتظار الوعود التي يطلقها الضامنون، وما هي بالحقيقة إلا إبر بنج تعطى، حتى يفوت الأوان ويقع في قلب الثائرين أن الفرصة فاتت، وأن الوقت ليس وقت تصعيد، فتخور العزائم ويزول الغضب المحقون، وتظهر شمس الخيبات، بعد فوات فرصة مطر الكرامة.
ويجب أن لا يظن القائم على المطالبة بحقه، أنه سيحصله بكل يسر، وأنه لن يتعكر له به مزاج، وهذا من التوهّم المضل الذي يوصل صاحبه إلى اليأس عند أول ثمن يدفعه ليسترد حقه، “فالغنم بالغرم”، والحرية لا ترد إلا بالدماء.
إن الطغاة يبذلون الغالي والرخيص من أموال ودماء حتى يصلوا لباطلهم الذي لا يشك به شاكّ ببطلانه، لكن المثابرة هي التي تجعله واقعاً، والبطش بالقوة هو الذي يحوّله من باطل معروف كالشمس برابعة النهار إلى حق تقص له القصص وتوضع له المبررات وتكتب به المواثيق وتسنّ له القوانين، فكيف بصاحب الحق يبخل في سبيل استرداد حقه، وما هذا إلا لجهلِهِ بثمنية هذا الحق، ومن يطلب الحسناء لا يغْله المهر، وكما قال المتنبي:
ذريني أنَل ما لا يُنالُ من العُلا
فصعبُ العلاَ في الصعبِ والسهلُ في السهلِ
تريدينَ لقيانَ المعالي رخيصةً
ولا بدَّ دونَ الشهدِ من إِبر النحلِ
وهنا السؤال المهم، من للمطالب العالية؟!!
إن اقتصر الجميع على سفاسف الأمور، وأشغلوا أنفسهم بأمور هي أقل من الواجب -واجب الوقت- أو بمعارك مكاسبها ليست لهم، وتخلّوا عن الأمور المهمات التي من شانها أن تخلّد أسماءهم في التاريخ، ومن شأنها أن تبعد سوط العبودية عن أبناءهم وأهليهم، فمن يقوم بهذه الأمور!!
من لها إذا لم يقم بها أهلها، هل يستجلب لها المرتزقة، ويستعان من أجلها بالضامنين والجيران، لكن النائحة ليست مثل الثكلى، إن لم ينبري لها قوم من أهلها، فإن عواقبها ونتائجها ستكون وبالاً عليهم، وسيكونون هم أسماء على ورق يتاجر بهم، ويتاجر بآلامهم و معاناتهم كمقاطع وقصص يستدر بها عواطف الناس ومن ثم يُركب عليها لغايات أخرى، لا تعود عليهم بشيء من النفع.