علي العيسى | شبكة مراسلي ريف دمشق
على غيره من الأعياد كان المتنبي في هذا العيد – عيد الأضحى- التي كان يقضيها في قصور الأمراء وفي مجالس الأدب والشعر، كان في هذا العيد طريداً هارباً من كافور الإخشيدي لما رأى أحلامه عنده لن تتحقق، ولقد نظم هذه القصيدة التي كان مطلعها:
عيدٌ بأيّة حال عدت يا عيد، وفيها يخاطب المتنبي العيد متسائلاً عن الحالة التي عاد فيها، هل جاء بشيءٍ جديد أم أنه جاء بالهموم والمتاعب، ولقد هجى في هذه القصيدة كافور الإخشيدي، حيث قال:
صَــارَ الْــخَـصِـيُّ إِمَـامَ الْآبِـقِـيـنَ بِـهَـا
فَـالْـحُـرُّ مُـسْـتَـعْـبَـدٌ وَالْـعَـبْـدُ مَـعْـبُودُ
وهو الذي كان يمدح سابقاً بقوله:
قَواصِدَ كافورٍ تَوارِكَ غَيرِهِ
وَمَن قَصَدَ البَحرَ اِستَقَلَّ السَواقِيا
ولقد كان المتنبي وزارة إعلام لوحده، والبيت من أبياته ينتشر انتشار الرياح في الأرض، وتخشى الملوك أن يهجوها.
المتنبي هو أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي المذحجي، كوفيّ المولد، عاش أفضل أيام حياته في بلاط سيف الدولة، وكان من أعظم شعراء العرب بعد الإسلام، وأكثرهم تمكّناً من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله منزلة كبيرة لم تُتَح لغيره، فهو أعجوبة عصره، وشاعره الذي ليس له مثيل، وقصيدته لا تقدر بثمن، إذ كان لا يمدح إلا الملوك ويرى من الازدراء بشعره أن يمدح غيرهم، ولا تزال أشعاره إلى الآن ترددها الألسن، وقصائده محل نظر الشعراء والأدباء.
إن الحالة التي يصف نفسه المتنبي بها اليوم لهي حالٌ واقعة على الكثير في هذه الأيام، وذلك لِما أصاب الناس من حرب وويلات، فالمشاعر التي ساقها في قصيدته منذ أكثر من ١١٠٠ سنة فهي لمن يستشعرها اليوم، موجودة في كل نفس نازحة عن بلادها ومهجرة عن أوطانها، قد أدركها العيد في مخيمات النزوح أو في المنفى بعيداً عن بيوتهم وأوطانهم، تسأل العيد هل يا عيد جئت بشيء جديد؟ أما أنك ما أتيت إلا بما أتت به الأعياد الأُخرى.
قد يكون العيد لم يأتي بما تطلبه نفوس المهجرين، لم يأتيهم بالعودة التي لطالما تُشوِّق نفوسهم ويحلمون بها، وتجعل بحياتهم أملاً جديد، إلا أنه من القائل أن العيد لا يأتي بالفرح؟!
إن بُعدنا عن الفرحة الكبرى لن يعكر علينا فرحة العيد، هذا العيد الذي منحنا إياه رب العالمين، حتى تستعين به نفوسنا على صعاب الدنيا، أيامٌ حرم الله بها الصيام على عباده، بعدما كان الصيام في ما قبلها أفضل القربات، وذلك كله حتى تفرح هذه النفوس وتبتهج، و تتزود من السعادة، فحريٌّ بنا أن نجعل فرحنا بهذه الأيام سُلّماً للوصول للفرحة الكبرى، حتى لا تتكسر نفوسنا من ألم الفراق، طول البعد، فإن للحزن أثر على النفس كبير لا يزيله إلا الفرح.