محمد بسام | شبكة مراسلي ريف دمشق
بريشة: عزيز أسمر
أصل الحكاية:
الألعاب النارية هي مفرقعات أو متفجرات ضعيفة الانفجار نسبياً، تُصنع من مواد كيميائية شديدة الاشتعال وينتج عن اشتعالها العديد من الألوان، ويتم التحكم بدرجة وتنوع هذه الألوان حسب نوع المواد الكيميائية المستخدمة في صناعة المفرقعات، تستخدم هذه الألعاب النارية عادة في المناسبات والأعياد والاحتفالات وقد تكون احتفالات وطنية أو دينية أو غيرها.
استطاع الصينيون القدماء في القرن السابع إدخال الدهشة على وجوه المشاهدين بواسطة فن صناعة الألعاب النارية، ليس لغرض المتعة بل للأغراض العسكرية (استخدامها كسلاح) ولاعتقادهم بأنها طاردة للشياطين بإصدار أصوات عالية، ولكن أدركوا أنه يمكن الاستفادة من هذه الألعاب النارية للمتعة أيضاً، والصين هي أكبر منتج ومصدر للألعاب النارية في العالم.
تختلف فكرة الألعاب النارية الخاصة بالاحتفالات الرسمية عن تلك التي يبتاعها الأطفال، فالمفرقعات قد تؤذي الأطفال إذا أساؤوا استخدامها، والألعاب النارية التي تستخدمها الدولة تكون الإجراءات الأمنية وأمور السلامة في أعلى درجاتها وتشهد رقابة رسمية عليها.
تبنّي مجتمعنا لظاهرة المفرقعات:
تعد ظاهرة الألعاب النارية والمفرقعات من الظواهر السلبية المنتشرة في مجتمعنا، وقد باتت هذه المواد تشكل خطراً ليس على مستخدمها فقط بل كذلك على الآخرين المتواجدين في محيط استخدامها.
وإن استخدام المفرقعات من قبل الأطفال لا يزال أمراً ملحوظاً خاصةً أيام الأعياد والمناسبات، وهي بكل تأكيد ظاهرة سلبية لما تخلّفه من أضرار في الممتلكات وما تسببه من حرائق ومن إعاقات، إضافة إلى التلوث الضوضائي للبيئة، ولعل التساهل من قبل أولياء الأمور في عدم مراقبة أبنائهم ومنعهم من استخدامها هو السبب الرئيسي وراء استفحال هذه الظاهرة.
فبقدر ما ننتظر أعيادنا ومناسباتنا الاجتماعية بفارغ الصبر لنشارك أحبابنا وأصدقائنا لحظات الفرح والمرح والسعادة، ونستعد لذلك بالملابس الجديدة والهدايا والألعاب، فإننا نقلب الاحتفال بالأعياد إلى أوقات من الفرح الصاخب بل والمميت في بعض الأحيان!
ففي الأعياد يزداد إقبال الأطفال والشباب على شراء الألعاب النارية والمفرقعات رغم حظر معظم السلطات الأمنية استخدامها بسبب خطورتها الصحية والاجتماعية.
وللأسف أصبح شراء الألعاب النارية في الأعياد وحفلات عيد الميلاد طقساً ملازماً للفرح واللعب واللهو، لكنها تحمل في طياتها أنواعاً من المواد المتفجرة، وبالتالي تؤدي الى وقوع إصابات خطرة مدمرة وحروق صعبة للصغار والكبار معاً، ولكن جمهورها لا يبالون بهذه المخاطر!
مخاطر الألعاب النارية :
رغم أن معظم الجهات النافذة في المنطقة تصدر قرارات بمنع التعامل مع هذه الألعاب وتحذر من شرائها وتنذر من يتعامل معها بالعقوبات إلا أن الظاهرة مستمرة ومتواصلة ونسمع أصوات تلك المفرقات يدوي في الحارات دون أن نرى أي جهة منفذة للتعليمات تأتي لتقوم بمهامها في معاقبة أو مصادرة تلك الألعاب المزعجة والخطرة بذات الوقت.
كما يخشى البعض ومن ناحية أمنية أن يستغل بعض ضعاف النفوس من شراء كميات من هذه الألعاب النارية واستخدامها في طرق خطيرة وأعمال غير قانونية أو حتى إرهابية، ومن هنا جاءت التحذيرات ومنع بيعها أو التعامل معها في عدد من الدول، حيث بلغت حدّ مصادرة أموال من يتاجر بها ومصادرة البضاعة كاملة ومعاقبة من استوردها.
وأبرز مخاطرها التسبب في حروق اليدين ويترتب على ذلك أضراراً نفسية وجسمانية كبيرة، وفي بعض الأحيان قد تؤدي شدة الإصابة إلى الوفاة، وهذه المفرقعات يمكن أن تخلف أضراراً في الممتلكات جراء ما تسببها من حرائق، وهذه الحرائق قد تؤدي إلى إلحاق الأذى بالناس وتعرض حياتهم للخطر، وأصوات المفرقعات تسبب الهلع والخوف للأطفال، وهي مصدر إزعاج كبير للجيران والقاطنين في المنطقة التي تُستخدم فيها، مما يؤثر على راحة الناس وسكينتهم، إضافة إلى إثارة الذعر والفوضى في الشوارع والأسواق وخاصة في الأماكن المزدحمة، ولاسيما في وقتنا الحالي الذي تكثر فيه جرائم نظام الأسد بقصفه للمناطق المأهولة بالسكان.
وقد كشفت الإحصائيات والدراسات أن أغلب الإصابات الناتجة عن الألعاب النارية تقع في الحفلات العائلية أو الخاصة والأعياد، وأن نصف الإصابات تلحق بالأطفال دون سن 17عاماً وأغلبها تصيب اليدين والعينين ثم الوجه.
فهذه الألعاب النارية تحمل شرارات خطيرة ويظن مستخدموها أنها آمنة ولا تنفجر، ولكنها في الحقيقة تحمل في تكوينها مظاهر الخطورة، حيث أن سخونة رؤوسها قد تصل إلى 2000 درجة فهرنهايت وفقاً للجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية (CPSC).
وتتسبب الألعاب النارية في إصابة 40 في المائة من الأطفال دون سن الخامسة عشر وفقاً لتقديرات الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، وإن مخاطر الألعاب النارية المنزلية تشمل الحروق والإصابات من القطع المتناثرة واستنشاق الدخان الذي قد يؤدي إلى مشاكل في الجهاز التنفسي مثل الربو.
تساؤلات:
ويتساءل الناس طالما أن كل التحذيرات تنطلق من كافة الجهات المعنية الأمنية منها والمجتمعية إلا أن كميات من هذه المفرقات تدخل بعدة وسائل دون رقيب أو حسيب.
يقول الحاج إبراهيم إمام مسجد في مدينة إدلب: “نحن المصلين أكثر المتضررين من الألعاب النارية حيث أن أصوات المفرقعات تفسد الخشوع لدى المصلين وتزعجهم، كما أنها تسبب الكثير من الكوارث، فكم سمعنا عن بيوت احترقت بسبب هذا البلاء الذي يباع للأطفال، وكل سنة في مثل هذه الأوقات ومع اقتراب العيد يزيد مصادر بيعها وتصل إلى أنواع شديدة الخطورة”.
ومن جانبه يقول أبو أحمد الشامي أحد عناصر شرطة جنديرس: “يجب التشديد على ضرورة تتبع مصدر هذه الألعاب التي جلبت الإعاقات والحرائق والإزعاج للأهالي، حيث يعمد صغار السن إلى شرائها والعبث بها في الشوارع دون رقابة”.
ويكرر موفق الحلبي صاحب محل لبيع الهواتف النقالة في مدينة الباب النداء نفسه ويقول: “الحقيقة إنه من الصعب منع بيع المفرقعات، لذلك يجب أن يكون للأهل الدور الأكبر في منع أبنائهم من اللعب بهذه الألعاب الخطيرة، فقبل سنة فقد إبن جارنا إحدى عينيه جراء لعبه بهذه المفرقعات، فقد انفجرت إحداها بوجهه وأصيبت اعصاب عينه بالتلف”.
والملفت للانتباه أن الأطفال يستمتعون بهذه الألعاب وينفقون عليها أموالهم دون اكتراث مهما بلغت أثمانها، وهنا يركز النشطاء الاجتماعيون جل تحذيرهم للأهالي بضرورة مراقبة الأبناء لمعرفة أين يصرف أبناءهم “عيدياتهم” ويدعونهم إلى لفت انتباه الأبناء لشراء أشياء أكثر نفعاً.
ومن هذه الحملات التوعوية رسمة جدارية للفنان الثائر “عزيز أسمر” إبن الشمال السوري المحرر عبّر من خلالها بطريقة فنية مبدعة عن بعض مخاطر هذه الألعاب، حيث عبّر بلقائه الحصري والخاص لشبكة مراسلي ريف دمشق بقوله: “مع حلول عيد الأضحى المبارك كان من واجبنا توعية الصغار من خطورة الألعاب النارية وبندقيات ومسدسات الخرز… وضرورة الابتعاد عنها واستبدالها بألعاب لا تؤذيهم… فرسمنا بالتعاون مع الدفاع المدني معايدة وتحذير للصغار… وكان الرسم بالقرب من ساحة العيد في بنش حيث يجتمعون ليركبوا المراجيح و “الدواخات” وهذه ألعاب ترفيهية أكثر متعة وأقل خطورة”.
مكوناتها:
وخطورة هذه العيارات النارية تأتي من أنه يدخل في تكوينها العديد من المركّبات الكيميائية خاصة البارود الأسود، وهي مادة تمزج الفحم والسولفر ونترات البوتاسيوم المعروف بملح البارود.
ومن أبرز مكونات تلك الألعاب أيضاً الليثيوم والكربون والأكسجين، الصوديوم، المغنيسيوم، الألمنيوم، الفوسفور، الكبريت، الكلور، البوتاسيوم، الكالسيوم، التيتانيوم، النحاس، الخارصين، الأنتيمون، الباريوم، السيزيوم، الحديد والروبيديوم.
هذا ورصد خبراء متخصصون في هذا المجال القدرات الخاصة للألعاب النارية في الاشتعال والحرق، موضحين عدة حقائق خطيرة، منها أن الألعاب النارية تصبح ذات الشرر أسخن بخمس مرات من زيت الطبخ، كما يمكن أن تصل سرعة أحد صواريخ الألعاب النارية إلى 150 كم/س، يمكن أن تنطلق قذيفة الألعاب النارية إلى ارتفاع يصل إلى 200 متر.
وثبت أيضاً أنه يولد اشتعال ثلاث أعواد من الألعاب النارية ذات الشرر معاً الحرارة نفسها التي يولدها موقد لحام المعادن.
وهذه الحقائق العلمية تؤكد خطورة الألعاب النارية على مستخدميها وعلى الآخرين المتواجدين في محيط استخدامها أيضاً، وذلك نظراً لما تسببه من حروق وتشوهات مختلفة تؤدي إلى عاهات مستديمة أو مؤقتة.
طبياً:
ويذهب الأطباء المتخصصون في مجال طب الأطفال إلى تأكيد أن الألعاب النارية تؤدي إلى التلوث الضوضائي الذي يؤثر على طبلة الأذن وبالتالي يسبب خللاً وظيفياً في عمل المخ قد يستمر لمدة شهر أو شهرين.
كما رصد أطباء الأطفال أن الشرر أو الضوء والحرارة الناجمة عن استخدام المفرقعات، يضر بالجسم، خاصة منطقة العين الحساسة، والرماد الناتج عن عملية الاحتراق يضر بالجلد والعين إذا ما تعرض له الطفل بشكل مباشر، حيث تصاب العين بحروق في الجفن والملتحمة وتمزق في الجفن أو دخول أجسام غريبة في العين أو انفصال في الشبكية، وقد يؤدي الأمر إلى فقدان كلّي للعين.
كما تعتبر الألعاب النارية من أسباب التلوث الكيميائي والفيزيائي وكلاهما أخطر من الآخر، فالرائحة المنبعثة من احتراق هذه الألعاب تؤدي إلى العديد من الأضرار الجسيمة، هذا بالإضافة إلى الأضرار الكارثية التي قد تنتج عن انفجار الألعاب النارية إذا كانت مخزنة بطريقة خاطئة.
خاتمة:
بعد استعراض مظاهر المخاطر الصحية الناجمة عن استخدام المفرقعات والألعاب النارية، فإنها ظلّت طقساً شديد الخطورة على صغارنا فلذات أكبادنا يحول فرحتهم بالأعياد إلى ألم وحزن وعجز وعمي وبتر أطراف، ناهيك عن آثارها الخاصة من إزعاج وتلوث سمعي وتقويض راحة الناس وأمنهم بما تثيره من الرعب والفوضى في الشوارع والأسواق، خاصةً في الأماكن المزدحمة، كما تؤدي إلى ترهيب الأطفال النائمين الذين يستيقظون على أصوات هذه المفرقعات التي تسبب لهم الفزع والخوف.
وفي تقديري إن السلطات المدنية والعسكرية لابد وأن تتعاون فيما بينها لمنع تهريب الألعاب النارية عبر الحدود، وأن تسعى جاهدة لسنّ تشريعات رادعة لكل من يقوم بعمليات التهريب، بجانب ضرورة تشديد الرقابة على أصحاب المحال التي تبيع الموت والأذى لصغارنا.