علي العيسى | شبكة مراسلي ريف دمشق
نظر أبو سفيان يوماً إلى معاوية وهو غلام، فقال لهند: إن ابني هذا لعظيم الرأس، وإنه لخليق أن يسود قومه.
فقالت هند: قومه فقط!!
معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس.
كان معاوية كاتب وحي رسول صلى الله عليه، وكان طويلاً، أبيضاً، جميلاً، إذا ضحك انقلبت شفته العليا، أجلح أبيض الرأس واللحية، يخضبهما بالحناء والكتم، وكان حليماً وقوراً رئيساً سيداً في الناس، كريماً عادلاً شهماً.
جلس معاوية -رضي الله عنه- على حكم الشام عشرين سنة في الولاية وعشرين سنة في الخلافة.
نظر أبو سفيان يوماً إلى معاوية وهو غلام فقال لهند: إن ابني هذا لعظيم الرأس، وإنه لخليق أن يسود قومه.
فقالت هند: قومه فقط، ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة، وكانت هند تحمله وهو صغير وتقول:
إنّ بني معرقٍ كريمٌ
محببٌ في أهله حليم
ليس بفاحشٍ ولا لئيمٌ
ولا ضجورٌ ولا سؤوم
صخر بني فهرٍ به زعيمٌ
لا يخلف الظن ولا يخيم
قال: فلما ولّى عمر يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما – أخو معاوية لأبيه- ما ولاه من الشام، خرج إليه معاوية فقال أبو سفيان لهند: كيف رأيت صار ابنك تابعاً لابني؟
فقالت: إن اضطربت خيل العرب فستعلم أين يقع ابنك مما يكون فيه ابني.
فلما مات يزيد بن أبي سفيان، وجاء البريد إلى عمر بموته، رد عمر البريد إلى الشام بولاية معاوية مكان أخيه يزيد، ثم عزّى أبا سفيان في ابنه يزيد.
فقال: يا أمير المؤمنين من ولّيت مكانه قال: أخوه معاوية. قال: وصلت رحماً يا أمير المؤمنين.
قالت هند لمعاوية فيما كتبت به إليه: والله يا بني إنه قلّ أن تلد حرة مثلك، وإن هذا الرجل قد استنهضك في هذا الأمر، فاعمل بطاعته فيما أحببت وكرهت.
وقال له أبوه: يا بني إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخرنا فرفعهم سبقهم وقدمهم عند الله وعند رسوله، وقصر بنا تأخيرنا فصاروا قادة وسادة، وصرنا أتباعاً، وقد ولّوك جسيماً من أمورهم فلا تخالفهم، فإنك تجري إلى أمد فنافس فإن بلغته أورثته عقبك.
قيل يوماً “إن أباً قال لابنه : انتبه أين تضع قدميك وأنت تمشي فأجابه ابنه : احذر أنت يا أبي فأنا أتبع خطواتك”، هذا هو الواقع فالأبناء لا تصنعهم أمنيات الآباء والأمهات بل تصنعهم التربية وإن أول عامل يصنع الابن هو سلوك أهله، فهذا السلوك هو الذي يَرضعه من صغره ويشب عليه بصباه، فكيف له أن يتملص منه وقد نبت في عظمه، وبنيَ عليه لحمه إلا أن يشاء الله، وهذا يظهر أهمية ملاحظة الآباء والأمهات لأفعالهم أمام أبنائهم في اللبنة الأولى التي توضع فيهم.
ومما ابتليت به اليوم الأسر والعائلات انتشار وسائل التواصل بين يدي الصغار، فترى هذا الجهاز صار قِبلة للولد، وأصبح مدرسته الأولى يتعلم منها، ألا وإن وسائل التواصل فيها من الانفتاح على الغير، والحضارات الأخرى الكثير، وجميعه يظهر بصورة منمق وجميلة تسرق النظر وتقع بالقلب، حتى أن منها ما هو معدود وفق دراسات نفسية لجذب الانتباه ولفت النظر، وهذا كله يستقبله الطفل ويخزنه وينشأ عليه فإلى أين سوف يوصل به!!؟
وإن هذه- وسائل التواصل- سرقت قلوب وعقول الكبار، فكيف تفعل بالصغار، لسوف تفعل العجب العجاب، فالصغر هو محل التربية والتعليم والتلقين، فكيف بأطفالنا وشبابنا قد تعلموا وتربوا على حضارات الغرب والشرق، التي تخاف ديننا وعاداتنا!!