علي ياسين – شبكة مراسلي ريف دمشق
خلافاً لما قاله “ونستون تشرشل” حول أن التاريخ يكتبه المنتصرون، فالحقيقة هي أن التاريخ ملك للجميع ولا علاقة لمنتصر ومهزوم، فحتى المهزوم يمكن أن يُحول هزيمته المرة إلى إنتصار تاريخي وبالعكس، وتعد الجدليات التاريخية والقضايا التي تًشكل محور خلاف هي ما يفتح الباب أمام توظيف التاريخ في الاستغلاليات السياسية، وعلى سبيل المثال يمكنك وصف “صدام حسين” بقائد سفاح ومجرم لو أردت التقرب من الولايات المتحدة والتحالف الغربي، ويمكنك وصفه بزعيم عربي وقف بوجه الإسرائيليين وحارب النفوذ الإيراني لو كنت ضد تمدد النفوذ الشيعي في الدول العربية، الأمر باختصار متعلق بالتسويق !!
وتعد قضية “جمال باشا” إحدى الجدليات التي تؤرق مضجع المؤرخين إلى يومنا هذا، وبالتأكيد لو ذًكرت مفردة “السفاح” بجانب اسمه ستبرز في ذهنك صورة دموية لرجل لم تخلو أعواد المشانق في عهده من الضحايا ولسمعت بمئات من العرب قضوا بأحكام إعدام أصدرها وشهد عليها بنفسه إضافة للآلاف من أحكام الجلد والتنكيل لمعارضي الدولة العثمانية وأنصار “الثورة العربية الكبرى” بقيادة الشريف حسين.
تبدأ قصة جمال حينما انقلب على الدولة العثمانية بمساعدة شريكيه “أنور باشا” و “طلعت باشا” وتمكنوا من إزاحة الخليفة “عبد الحميد الثاني” الذي يعد آخر الخلفاء الفعليين، ليبدأ بعد ذلك عهد سيطرة “جمعية الاتحاد والترقي” على مقاليد الحكم وإدخال الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤، وعلى الفور بدأ تحرك في الخفاء لإزالة سلطة الدولة العثمانية وإبعاد قاداتها العسكريين وعلى رأسهم “الباشوات الثلاثة” لتندلع بعد ذلك ما يُعرف بـ “الثورة العربية الكبرى” بقيادة الشريف حسين.
يعرف الكثيرون أن ضحايا ال٦ من شهر أيار عام ١٩١٦ كانو من المفكرين والمعارضين لسياسات جمال الحاكم العسكري للشام ودمشق خلال تلك الفترة إلا أن تصريحاً صحفياً نُقل على لسان جمال نفسه في مقابلة أجراها مع صحفي يُدعى “مراد غريب” والذي قال فيه عن أحداث الثورة العربية إنها أحداث مدبرة من قبل بريطانيا وفرنسا والصدام العسكري مع الدولة العثمانية كان مُدبراً منذ البداية وفي نص المقابلة المطول الذي نشره موقع “سيريا نيوز” قال جمال حول سؤاله عن ثورة الشريف حسين: “تسمّيها ثورة ؟!. الشريف حسين ارتكب أكبر جناية لا تُغتفر ضد العالم الاسلامي.
هذه ليست ثورة، هذا تمرّد مسلّح هدفه تحقيق انفصال جزء من أراضي الدولة العثمانية بالاشتراك مع أعدائها والاسهام في هدم آخر دولة قوية للمسلمين”
وتابع تقرير مفصل نشرته “وكالة أنباء تركيا” عام ٢٠١٩ ذكرت فيه إن جمال كان على علم باتفاقية سايكس بيكو إذ حصل على تسريبات منها، وقام بعقد لقائات مع مندوبي الثورة العربية وأطلعهم على حقائق ما يجري إلا أن المعارك والهجمات المسلحة لم تتوقف.
باختصار يضع الكثير من المؤرخين المسؤولية على جمال ورفاقه في سقوط الدولة العثمانية وهزيمتها في الحرب العالمية الأولى إلا أن الظروف التي مرت بها البلاد من خطط لإسقاطها تجعل الإجراءات المتسرعة خطأ وارد الوقوع، ولكن تبقى أحداث شهر أيار التي تمر ذكراها حالياً محط جدل يستغله جميع من امتلك مصلحة سياسية مهما كان!!