محمد سعدو | شبكة مراسلي ريف دمشق
ودّعت سوريا أمس إحدى أهم شخصياتها الوطنية والثورية وأهم المناضلين بحق وصدق تجاه قضية الحرية والخلاص من الديكتاتورية الأسدية ودولتها الفاشستية القابعة على صدور الشعب السوري منذ خمسين عاماً وأكثر.
حيث نعت وسائل إعلام محلية ودولية وصفحات ناشطين ثوريين سوريين على الفيس البوك يوم الاثنين المحامي حبيب عيسى الحقوقي والمفكر العروبي الوطني بامتياز، وهو أحد أبرز الشخصيات المعارضة النظيفة التي قارعت جبروت النظام وطغيانه منذ زمن، كما كان أحد أعمدة أحرار منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي السوري و صاحب كتاب نداء من أجل الحرية الذي خطّه بقلمه داخل المعتقل.
إلّا أن اليوم الذي تلاه كان الأكثر ألماً على السوريين وحزناً بفقدان أيقونة الثورة السورية والقامة الوطنية السورية الشامخة على الدوام في وجه عبث الطغاة الشخصية ذات الفكر الديمقراطي الجامع لكل أطياف وأيدلوجيات السوريين، وبحسب وصف أحد النشطاء فقد اعتبره أباً حقيقياً لكل الأحرار السوريين، فهو الكاتب والمفكر والشخص المتواضع والطيب “ميشيل كيلو” صاحب المسيرة النضالية الممتلئة بالعمل الثوري الوطني المعارض السلمي ضد نظام الاستبداد، ابن محافظة اللاذقية مواليد عام ١٩٤٠ من عائلة مسيحية متوسطة الحال.
كان والده يعمل شرطياً وأمّه ربّة منزل، تعلَّم في مدارس المدينة هناك ومن ثم ذهب إلى مصر ومنها إلى ألمانيا واستقر أخيراً في باريس.
عمل كيلو في ترجمة الكتب السياسية الدولية إلى اللغة العربية، ومنها كتاب الإمبريالية والدار الكبيرة والوعي الاجتماعي.
كما كان ميشيل كيلو المحلل السياسي المهم في سوريا، ذو الفكر الاستراتيجي السياسي والتحليل المنطقي للأحداث والتطورات السياسية السورية والدولية.
اعتُقل ميشيل كيلو في أوائل السبعينيات بعد انتسابه للحزب الشيوعي السوري في المكتب السياسي، ثم لجأ إلى فرنسا بعد خروجه ومن ثم عاد إليها لينضم إلى العمل السياسي مجدداً ضمن إعلان دمشق في العام ٢٠٠٦، والتي تسببت باعتقاله أيضاً مع رفاقه بتهم كانت موجهة لهم من ضمنها النيل من هيبة الدولة وإضعاف الشعور القومي.
بعد ذلك خرج من السجن وعاد لاجئاً إلى فرنسا إلى حين اندلاع الثورة السورية وكان من أول المنخرطين في صفوفها وأحد رموزها وأحرارها والمدافعين عنها وعن مبادئها.
انضم إلى الائتلاف السوري وأصبح أحد أعضائه البارزين ظناً بأنه يمكن أن يشكّل مع عدد واسع من المعارضين الوطنيين تجمعاً مهماً يمكن أن يخدم قضية الشعب والوطن ويحقق أهدافها ومصالحها، إلا أنه رأى بأنها لم تكن كذلك بعد أن سيطر عليها ثلّة من المنتفعين والمرتهنين ليغيّروا مسار ذلك التشكيل ويخضعوه إلى أوامر دولية وإقليمية، لا بل تابعة إلى جهات لا تؤدي بالنهاية لمصلحة الشعب السوري ولا تخدمها تماشياً مع مصالح دولهم وما يريدون.
انسحب بعد ذلك من الائتلاف وبعدما أبعد الآخرين منه أيضاً ليبقى مهموماً بسوريا وقضية هذا الشعب المكلوم، اتخذ على الدوام موقفاً جامعاً لكل السوريين على كافة ايدلوجياتهم وأفكارهم ليحاول إعادة لملمة الصفوف مجدداً لكنه لم ينجح، كتب العديد من المقالات المنتقدة لسياسات الدول التي لم تكن يوماً ما ضامناً بصدق لرؤية الشعب بالتحرر إنما كانت مصالحها القومية والإقليمية هي الأهم.
ناضل حتى الرمق الاخير إلى أن أصيب بفيروس كورونا، وخضع للمستشفى والعلاج حيث تعافى بشكل جيد منه، ولكن بعد أخذه اللقاح الذي أدى فيما لمضاعفات خطيرة أدت إلى وفاته.
والجدير بالذكر أن ميشيل كيلو قبل وفاته كتب وصيته الأخيرة التي وجهها للشعب السوري، وجاء في نص الوصية: (لا تنظروا إلى مصالحكم الخاصة كمتعارضة مع المصلحة العامّة فهي جزء أو يجب أن تكون جزءاً منها)، كما أضاف أيضاً: (لا تنظروا إلى وطنكم من خلال أهدافكم وأيديولوجياتكم، بل انظروا إليهما من خلال وطنكم والتقوا بمن هو يختلف معكم بعد أن كانت انحيازاتكم تجعل منه عدواً لكم، وتابع: (في وحدتكم خلاصكم فتدبروا أمرها بأي ثمن وأي تضحيات، لن تصبحوا شعباً واحداً ما دمتم تعتمدون معايير غير وطنية وثأرية بالنظر إلى بعضكم وأنفسكم، وهذا يعني أنكم ستبقوا ألعوبة بيد الأسد الذي يغذي هذه المعايير وعلاقاتهم وأنتم تعتقدون أنكم تقاومونه).
وزاد بالقول: (لا تتخلوا عن أهل المعرفة والفكر والموقف، ولديكم منهم كنز… استمعوا إليهم، وخذوا بما يقترحونه، ولا تستخفوا بفكر مجرب، هم أهل الحل والعقد بينكم، فأطيعوهم واحترموا مقامهم الرفيع).
وفي ختامها أوصى السوريين باعتماد أسس للدولة “يسيرون عليها ولا تكون محل خلاف بينهم، وإن تباينت قراءاتها بالنسبة لهم”.
واعتَبر الراحل أن “استقرار هذه الأسس يضمن استقرار الدولة، الذي سيتوقف عليه نجاح الثورة”.