علي ياسين | شبكة مراسلي ريف دمشق
في البداية أود القول بوجهة نظري “كاتب المقال” أن الادعاءات التي يتم نشرها حول حرب تشرين أو حرب أكتوبر بأنها مسرحية واهية ليست صحيحة، على الرغم من أنها آلت لنتائج قاسية من أبرزها معاهدة “كامب ديفد” ودخول قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى عمق الأراضي المصرية عبر كارثة ثغرة الدفرسوار الشهيرة أو اكتساحهم لموقع الجيش السوري حتى باتوا على شفا احتلال دمشق بسبب القرارات الخاطئة للسادات والأسد، لكنها كانت في مراحلها الأولى إنجازاً هائلاً يرقى لكونه معجزة عسكرية لجيش هُزم عن آخره في عام 1967 وقلب الطاولة ولو جزئياً عام 1973 والتي جعلت إسرائيل ترتعد رعباً بعد خسارتها لخط بارليف الذي تفاخرت فيما مضى بمناعته.. ورغم مناعته تلك فقد سقط!!.
كنت أنوي كتابة مقال تفصيلي عن الحرب وأحداثها ولكنني وجدت هذه التفاصيل متوفرة بكثرة على شبكة الإنترنت، وبعد إنهائي لقراءة كتاب “حرب أكتوبر – مذكرات الفريق الشاذلي” وجدت بعضاً من الحوادث المتفرقة قبل الحرب وبعدها تستحق الحديث عنها لإظهار العديد من الجوانب في الموقف العربي والمصري والسوري وإظهار الحوادث الخفية في مشاركة القوى العربية ضمن الحرب، وسيعتمد هذا المقال على مصدر وحيد هو كتاب الفريق سعد الدين الشاذلي رحمه الله لسببين، الأول أن الشاذلي اعتمد في كتابه على لغة الأحداث والوقائع وهو الوحيد الذي كتب عن الحرب بهذا الأسلوب، والسبب الثاني سيجعلك عزيزي القارئ تثق بمصداقية ما قاله، حيث حوكم غيابياً بالسجن لثلاث سنوات بتهمة “إفشاء أسرار عسكرية” ولم يقولو مثلاً “نشر معلومات كاذبة ومضللة”، وبالاستنتاج القطعي يتبين أنهم رغم سخطهم على الشاذلي إلا أنهم لم يستطيعوا إنكار ما قدمه من معلومات وحقائق.
الشاذلي ومؤتمر الدفاع المشترك
في الفترة التي كان فيها الفريق الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية كان أيضاً يشغل مركز الأمين العام لمجلس الدفاع العربي المشترك ضمن الجامعة العربية والذي يتألف من وزراء الدفاع ورؤساء أركان الجيوش العربية وقد اقترح في دورته المنعقدة عام 1971 أن تقدم الدول العربية دعماً عسكرياً لدول المواجهة مع إسرائيل لجعل مصطلح “قومية المعركة” أفعالاً واقعية لا مجرد شعارات فارغة، في الكتاب ذكر الشاذلي أنه بدلاً من طلب مصر المستمر للمال لشراء السلاح استعاض عنه بتحديد متطلبات عسكرية قتالية ترسلها كل دولة عربية وفق ما تحتاجه دول المواجهة مع الكيان الصهيوني وبهذه الفكرة ستستفيد مصر من ناحيتين رئيسيتين، الأولى تجنيب مصر حاجة استجداء المال وكأنه صدقة ومنحة وفي ذات الوقت اختصار للفترة الزمنية لشراء الأصناف التي تحتاجها مصر فالوقت الذي يلزم لشراء السلاح من الاتحاد السوفيتي والتعاقد عليه ستحتاج لعامين بينما إن تم الحصول على هذه التجهيزات من الدول العربية فلن تستغرق فترة إدخالها إلى الجبهة إلا أشهرا قليلة “فالنقود لا تقاتل”، والفائدة الثانية هو إشعار الدول العربية بخطورة الحرب الفعلية وإشراكها في الصراع بشكل عسكري مباشر حتى البعيدة منها عن المواجهة بالإضافة إلى خلق شعور من الخجل لدى الدول الغنية بالموارد، في الوقت الذي تضع دول المواجهة “الفقيرة بالموارد” كل إمكاناتها العسكرية للحرب لن ترسل الدول البعيدة إلا الجزء اليسير، وعليه تقرر أن يزور الشاذلي كلا من الجزائر والمغرب وليبيا والعراق في سبيل التنسيق العسكري.
مرحباً بكم في حضانة أطفال حكام العرب!!
عندما زار المغرب وقبيل انتهاء عملية التنسيق قدم ملك المغرب شكوى للشاذلي حول تخصيص القذافي لساعة في الإذاعة الليبية الرسمية للهجوم على المغرب وانتقاد سياساتها بشكل لاذع وقال للشاذلي: “إن القذافي صديقكم في مصر وقد تستطيعون أن تنصحوه بالإقلاع عن هذه التصرفات وأرجو أن تقوم بإبلاغ ذلك إلى السادات عسى أن يؤثر على صديقه القذافي لتغيير موقفه منا”، وتعهد ملك المغرب بوضع كافة القوات المسلحة المغربية في خدمة المعركة، المضحك هو موقف القذافي الكاره لملك المغرب حيث شكك بمصداقية وعود الملك حول وعده بإرسال قوة عسكرية وعندما أكد له الشاذلي ذلك وأطلعه على مجريات جولته في المغرب أعاد التشكيك لكن بشكل مختلف حين قال: “إن فعل ذلك فإنه يخشى على نفسه من جيشه وإنه بذلك ينوي إرسالهم خارج المغرب للتخلص هم وليتفادى تهديدهم لعرشه!!”، وعند عودة الشاذلي إلى مصر وإطلاع السادات على نتائج الجولة قال له السادات ساخراً: “ضحكوا عليك وجعلوك تبرأهم بتصريحاتك”، لم يعلق الشاذلي على هذه الأحداث في كتابه، ولكن يمكن استنتاج مدى جدية حكام الدول العربية، فهذا يشتكي،والآخر يشكك، وذاك ينفي، وعلى الرغم من تمكن الشاذلي من تحقيق نتائج جيدة من جولته وسط هذه المواقف الصبيانية يبقى هناك سؤال مهم يطرح نفسه حول الجيل القديم من الحكام العرب: هل تصدر هذه المواقف عن حكام واعين بخطر عدو قوي كإسرائيل وعلى شفير حرب جدية؟؟.
أهمله السادات، ونافق له الأسد!!
بعد نهاية الحرب وفض الاشتباك قرر السادات أن يُبعد كافة الشهود من العسكريين على ما ارتكبه من خطأ جسيم أدى إلى قلب مجريات الحرب وكان الشاذلي أحد أبرز المعارضين لقراره في تطوير الهجوم بحجة تخفيف الضغط عن الجبهة السورية وما آل إليه من اختراق القوات الصهيونية للجبهة المصرية وإحداث ثغرة في صفوفها، فأصدر قراراً بنقل الشاذلي إلى وزارة الخارجية سفيراً إلى لندن، وقام السادات بتكريم عدد من الضباط والقادة ومنحهم الأوسمة والنياشين دون أن يذكر اسم الشاذلي بكلمة واحدة، ما دفع حافظ الأسد إلى منح الشاذلي وسام استحقاق عسكري من الدرجة الرفيعة وذكر في الكتاب: “في الحفل الكبير الذي أقامته سوريا لتكريم أبطال الحرب لم ينسى السوريون دور الفريق سعد الدين الشاذلي وأنعموا عليَّ بأرفع وسام عسكري سوري، وعندما ذُكر اسمي والوسام الذي مُنح لي وعلى الرغم من عدم وجودي بينهم ضجت القاعة بالتصفيق لمدة طويلة حتى ظن معظم المستمعين المصريين أنني في دمشق”، على الرغم من شكر الشاذلي لهذا الوسام إلا أن تساؤلات عديدة تدور حول السبب الذي دفع حافظ الأسد لهذا النفاق السياسي فهو من ترك الجيش السوري فريسة للطيران الإسرائيلي وكان على وشك إسقاط دمشق، قد يمكن تفسيرها كنوع من النفاق السياسي الذي يهدف إلى (دق إسفين) بين الشاذلي والسادات على حساب محو جرائمه وأخطائه في الحرب.
حرب أكتوبر فيها الكثير من الأحداث والقصص التي لم يكن الشعب العربي على علم بها حتى فترة قريبة، ولكن بعد بدء الربيع العربي وبروز استعمال القوة من قبل الحكام العرب يتبين أن فكرة “العدو قادم من الشرق” قد اندثرت بعد سيطرة الفكر الأمريكي على الجيوش العربية وجعل العداء لإسرائيل مجرد أمر قديم الطراز، ويمكن للقارئ من خلال هذه الأحداث وغيرها من ما أورده الشاذلي في كتابه إن المواقف السياسية الدول العربية تُظهر انعدام جديتها في التعاطيمع قضية الحروب مع الاحتلال وهو ما نراه اليوم من خلال اتفاقيات التطبيع العديدة التي تُسارع الدول العربية لإبرامها مع الاحتلال.