علي ياسين | شبكة مراسلي ريف دمشق
بعد مرور عشر سنوات على اندلاع الثورة السورية وتغير الواقع على الأرض خلال سنوات الحرب الطويلة كان بديهياً جداً أن يُطرح السؤال الذي بات متكرراً في أذهان الناس، هل حقاً هزمنا؟، هل خسرت الثورة أمام الأسد؟، بالنسبة لما يجري أجد صعوبة في تقبل هذا السؤال بصيغته الحالية، فلا المعركة انتهت ولا وَضَع الطرفان أسلحتهما جانباً ولا جلسا حول طاولة للتفاوض حتى الآن وإن كانت بعض الفصائل والتشكيلات الثورية قد جلست مع نظام الأسد في مفاوضات فردية بوساطات دول داعمة للنظام كروسيا إلا أنها لم تحمل أي تفويض أو تأييد من طبقات الشعب السوري المختلفة بالإضافة إلى ثبات العديد من الفصائل على أيديولوجيتها العسكرية في عدائها ومقاومتها لقوات الأسد، وبالتالي فإن الاعتقاد بأن الأمر قد انتهى بصورة مطلقة وطرح السؤال ذاك بهذه الصورة هو بعيدٌ كل البعد عن أوانه، في الحقيقة إن كان هناك ما يدعو للسؤال حقاً فالصيغة يجب أن تكون: ماذا أنجزنا وماذا لم ننجز ؟
فالمفهوم العقلاني في التقييم يجب أن يكون مبنياً على نظرة شاملة تحدد ما إذا حققنا مكسباً في أمر ما أو خسرنا في أمر ما، والنظرة الشاملة في بداية الأمر تعتمد على تقييم كل موقف على حدا، ومن ثم الاستنتاج المنطقي الذي يُبنى في الأساس على تلك المعطيات في تقييم المواقف، وفي وضع كالذي تمر به الثورة يمكننا تحصيل المنتوج المطلوب بعد تقسيم المواقف إلى: السياسي والعسكري، وهي المحاور الأساسية التي يمكن من خلالها معرفة السؤال: ما أُنجز وما تقييم الموقف؟.
الموقف السياسي لم يكن في يوم من الأيام على المستوى المطلوب والأمر عائد لكثير من العوامل منها عدم وجود طيف سياسي شامل ينطق بلسان حال الشعب السوري خارج الأراضي السورية، إضافة إلى تشرذم الكيانات السياسية إلى ما يشبه حالة من تعدد أحزاب سياسية تتفق وجهة النظر وتختلف في التطبيق، وما زاد الطين بلّة هو طفو خلافات سياسية بين أفراد الكيان الواحد فيسبب بذلك ضياع الفرصة في تحقيق إنشاء قوة سياسية فاعلة ذات تأثير.
وبمتابعة التسلسل الزمني للأحداث عام 2011 بُدِأ بتشكيل المجلس الوطني السوري والذي كان يضم معظم الكيانات السياسية الفاعلة على الأرض وكان نواة لتشكيل قوة سياسية يمكن أن تحقق تطلعات السوريين في إيصال صوتهم إلى أصحاب القرار في العالم الخارجي، ولكن طفو الخلافات الأيديولوجية والفكرية وبروز تيارات تميل إلى الحلم بالسلم مع نظام الأسد كمنصة القاهرة التي انفصلت عن التوجه السياسي المعادي للنظام وراحت تعزز التقرب مع الروس المساهمين في آلاف عمليات القتل الجماعي في سوريا، بل وتعدى الأمر إلى اتخاذ خطوات غير مبنية على شيء من الواقع ككتابة دستور عبر لجنة دستورية ولم تحقق أي فائدة تذكر بسبب انفصالها عن الواقع على الأرض وقبول بعض الشخصيات بالتفاوض مع النظام الذي في الأساس لم يعترف بها النظام كطرف سياسي، وإنما تم تصنيفهم على لسان الأسد نفسه “بعملاء للأتراك من حاملي الجنسية السورية”، بالإضافة إلى الخطأ القاتل برهن الموقف السياسي الثوري بمواقف دول ومصالح قد لا تتوافق على خط ثابت مع الثورة السورية على الصعيد السياسي الخارجي ما ساهم في إضعاف القرار السياسي والذي يكاد يصل إلى وأده تماماً.
التقييم للموقف السياسي المتقهقر إن صحَّ وصفه بذلك يعطي الأحقية الكاملة بإعادة تأهيله ووضع خطوط عريضة تكون أساساً لأي حراك خارجي مستقبلي ويكون فاعلاً بحيث يسترد ثقة الداخل ويعزز قوته في الخارج بوضع المطلب الأساسي وهو هيئة حكم انتقالي بعيدة عن الأسد وأركان جيشه وشخصياته السياسية، ولا يُحقَّق ذلك سوى بحراك ثوري – سياسي شامل يُبعد الأسماء التي ساهمت بفشل الحراك السياسي ويساهم بإنشاء أيديولوجية فكرية تضع الأسد في مقام العداء الأول ويسعى لحشد التأييد الدولي على هذا الأساس.
أما الموقف العسكري فلا يوجد أي شك بأن خسارة مساحات واسعة من الأرض ومناطق كان مركز قوة للثورة على الصعيد العسكري الاستراتيجي كانت كافية لترسيخ القناعة الكاملة بالهزيمة العسكرية وهذا أمر حقيقي وإنكاره انفصال عن الواقع، ولكن بالعودة لمفاهيم الفلسفة العسكرية المرتبطة بالغايات السياسية للحرب فالهدف من الحرب نفسها في الأساس هي إرغام طرف ما على التصرف طبقاً لإرادة المنتصر وهذا الأمر وإن كان قد حصل حقاً فهو ليس كاملاً، فعلى سبيل المثال هدفت حملات التهجير المتتالية من مناطق الثورة إلى إنهاء المناطق الثائرة وتصفية المقاومة المسلحة بشكل نهائي، وما قد حصل هو أن الفصائل العسكرية على اختلاف توجهاتها أعادت تشكيل نفسها وحافظت على بنيتها التنظيمية ولو بأعداد قليلة، واتخاذ الشمال السوري مراكز قوة جديدة لها تعني أنه من الباكر جداً أن نحكم بفشل الموقف العسكري الكامل، فالقوة العسكرية الثورية لم تتصرف وفقاً لإرادة النظام الذي حتى وإن باتت مساحة الأرض الأكبر من نصيبه فلم نتصرف طبقاً لإرادته بالمفهوم الكامل، ولكن من باب الالتزام بالواقع لا يجب غضّ الطرف عن الحقائق وهي أن الموقع العسكري حاله حال الموقف السياسي تماماً من حيث اختلاف وجهات النظر والأيديولوجية الفكرية ولكن هذا الاختلاف له خسائر أكبر بكثير، إذ أن ما نتج عن إضعاف القوة العسكرية خسائر بشرية وكوارث إنسانية هائلة، حيث يمكن الجزم بأن حركات النزوح وما يحصل من مآسي كثير في مخيمات النزوح وما يتبعها من موجات هجرة للدول الأوروبية يمكن إقرانها إقراناً مباشراً بضعف وتشتت القرار العسكري.
- اعجاب
- أصدقاء
السابق بوست