تعاني مدينة دمشق، وبعض ضواحيها ، من تخمة سكانية لم يشهد لها تاريخ المدينة من مثيل. فقد تضاعف عدد قاطني بعض الأحياء المجاورة للمناطق التي تشهدا قصفا من قبل عصابات الأسد في الريف إلى مرات عدة، مثل أحياء مساكن برزة والتجارة والعباسيين، شرقي مدينة دمشق، التي تدفق إليها نازحو الغوطة الشرقية من برزة والقابون ودوما وحرستا.
وأما مدينة جرمانا التابعة إدارياً إلى ريف دمشق فقد أصبحت خزاناً بشرياً هائلاً، إذ يقارب عدد قاطنيها اليوم 800 ألف نسمة، علماً أن عدد سكانها قبل بدء الثورة كان حوالي الـ500 ألف، وذلك بالرغم من التفجيرات والقذائف التي تنهال بشكل شبه يومي على المدينة، وبالرغم من جغرافيا الأبنية في المدينة، التي لا تساعد على استقبال هذا الكم الهائل من السكان. أما نازحو الغوطة الغربية، داريا والمعضمية، فقد لجأوا إلى الريف المجاور في صحنايا وجديدة عرطوز. ولا تزال بلدتا كناكر وسعسع، على طريق القنيطرة غربي مدينة دمشق، مقصداً لكثير من نازحي الغوطتين.
تستطيع أن تكتشف بسهولة تجمعات النازحين وسط مدينة دمشق، فحيثما تصادف مجموعات كبيرة من الأطفال تلهو في إحدى حارات المدينة يوجد نازحون. ففي «سوق ساروجا» ، تقطن عشرات العوائل المهجّرة من ريف دمشق الشرقي، يقضي عددٌ كبير منهم جلّ وقته في الحارة كما يقول أحد نازحي مدينة جوبر. ويضيف: «غالباً ما تشترك عدة عوائل في غرفة واحدة أو في أرض ديار واحدة، ما يجعل البقاء في البيت أمراً مستحيلاً، فما بالك بمن يعيش في قبو». وعند سؤاله عن ظروف حياتهم، يجيب: «تصلنا معونات هي عبارة عن سلة غذائية شهرية، وأغطية وفرشات، عن طريق الهلال الأحمر وبعض الجمعيات الخيرية، وهي لا تكفي وحدها على أية حال، لكن مساعدات أهالي الحي الأصليين تسد بعض الحاجات الملحّة». وهذه الأخيرة تعدّ ميزة قد لا يتمتع بها النازحون المقيمون في المدارس.
وقد تكون أسوأ مفاجأة قد تواجه النازحين هي خبر تدمير المنزل أو إصابته، فهذا يعني بالنسبة لهم استمرار كابوس النزوح المطبق على تفاصيل حياتهم. واستمرار هذا الموت البطيء الذي يعيشونه.
إن مئات العوائل النازحة، الفقيرة أساساً، بعد أن جرّبت حظها من النزوح إلى المدارس والحدائق العامة والشوارع، وجدت الحل لاحقاً باللجوء إلى الأبنية غير المكسوة، ، يلاحظ هذا الأمر بوضوح في صحنايا وأشرفية صحنايا، وفي جرمانا أيضاً
هذه مأساة يعاني منها مئات الألوف من سكان ريف دمشق، ممن أجبرهم العنف على اللجوء إلى العاصمة ذات الجغرافيا الضيقة والمزدحمة أساساً. لم تتعدد الخيارات أمام هؤلاء، وخصوصاً الفقراء منهم، فلم يبق لهم إلا خيار الفرار المستمر والمضني من وجه الموت.