كل منا يحمل في داخله من النفائس ما يخشى عليها، فيداريها ويخبئها ليحافظ على كنزه من الضياع….. مازالت غزالة تغمض العيون على سرها الثمين فهل ستبوح به؟ ……..

0 127

ريمة الخطاب | شبكة مراسلي ريف دمشق

تقول غزالة في سرها:
وأنا أيضاً، لا أريد أن ينتقم الله لي ممن ظلمني، أريد جاسم فقط. ثم حملت جوالها وفتحته، نظرت بالرسائل، وابتسمت ابتسامة ألغت كل ما كان من وجع، قبل قليل، هو تأكيد على أن من نحب، أو أي شيء منه، قادر على مسح آلامنا بلحظة، وزرع الفرح والحبور مكانه، تأكيد أن للحب تأثيرٌ علينا أكبر من تأثير أي شيء في الحياة، مهما كانت صفته، أو مقوماته، فها هو جاسم يملأ الفراغ العائلي الذي خلفه ذلك البوح، والتصريح، الذي كان إعلاناً منها عن انشقاقها عن السرب. قرأَت بعينيها رسالة قصيرة من جاسم، جعلت كل ما في الغرفة ينتشي فرحاً، الوسائد، والمحامل، وما تحمله من أثاث، وخزانتها القديمة، التي شهدت معها أعتى معارك الغبن، حتى كؤوس الشاي بات لها وجه مبتسم سعيد! كانت الرسالة: أحبك، يا حب عمري الوحيد.
لقد صدقت كل كلمة قالها لها حين أخبرها بأنه تزوج ابنة عمه التي فرضها عليه أبوه، وهو لم يشأ أن يغضبه ويرفض طلبه، وخصوصاً أن ابنة عمه فتاة جميلة، خلوقة مؤدبة، فكان أن تزوجها، وأنجب منها ثلاثة أولاد استشهدوا جميعهم تحت ركام بيتهم الذي استهدفه صاروخ من ثكنة للنظام الغاشم، وهو أصيب بيده، التي كانت سبباً بتعرفهما على بعض.
كان هذا انتقاماً منهم لانشقاقه عن منظومتهم العسكرية، حيث كان برتبة ضابط، لكنه رفض أن يكون ممن يقتلون الشعب المنتفض بثورة الحق على مجرم البشرية الأول، رفض أن يكون سبباً بوجع قلب أم ترى أشلاء أطفالها أمام أعينها، وأن يكون سبباً في رعب يقض مضاجع الأطفال، ويقتل الأمان في براءة طفولتهم المسلوبة، وأن يشارك في تشريد شعب من أجل كرسي، فكان أن انشق عن زمرة البطش، والإجرام التي ارتكبت أفظع مجازر قد تحدُث على وجه الكرة الأرضية، فاتفق مع زميل له على الهرب، وخططا لذلك، لكن أعين الشر المتربصة للحق أبداً، اكتشفت نيتهما، فألقي القبض عليهما، وأودعا السجن، ليمكث جاسم سبعة أشهر في غياهب سجون الطاغية، وتحت سياط حاشيته الذين لم يكونوا أقل وحشية منه، فقد عانى جاسم الكثير في ظلمة السجن، وقضى أياماً، وليالياً في زنزاناتهم الضيقة، وسمع أصوات تعذيب الحرائر اللاتي رزحن تحت قبضتهم الساخطة على كل من قال حرية.
سبعة أشهر من الأسى، لم تترك لجاسم أملاً في الروح برؤية الشمس مرة أخرى، لكن هذا لم يكسر شآمته، ولم يقتل عنفوانه وشجاعته، فكان يرى نصراً مؤزراً في كل ناج يخرج من معتقلات الموت، فتحمله آماله وأحلامه بتحقيق ما ناضل من أجله الشعب الحر، الذي نهض ليقول للظلام لابد لليل أن يرحل بصبح أبلج يحمل النصر والحرية.
كان قد روى لحبيبته غزالة كل ما حدث معه في ذلك المعتقل، الذي أسماه موتاً برغم الحياة، وأنه خرج منه بمعجزة من الله، فقد كان اسمه بين أسماء الأسرى الذين تم التبادل عليهم في صفقة بين رؤوس النظام، وقادات الجيش الحر.
كانت غزالة تستمع لسرده المحبب لديها، فتلعن كل يد امتدت لحبيبها بسوء، وتدعو على كل شخص تسبب لجاسم بلحظة ألم، وكم بكت متأثرة بأوجاع حديثه، الذي كان يوجع روحها المتعلقة بجاسم بطريقة هستيرية.
يد بشرى التي تهز كتف غزالة بقوة محاولة تنبيهها إليها، تعيدها لواقعها، حيث تجلس بقربها بشرى تحتسي الشاي، وتأكل بذور دوار الشمس.
تقول بشرى مستغربة:
ما بك! … أنت لست طبيعية اليوم أبداً، أشعر أنك تخبئين شيئاً عني. تبتسم غزالة، وتقول: ماذا سأخبئ عنك! … ظروفي، وتعرفينها جيداً، وأهلي ليسوا أفضل من أهلك.
بشرى:
-نعم صدقت، لكنك تشردين كثيراً اليوم!
غزالة:
من السعادة الغارقة فيها يا صديقتي. تتنهد بشرى، وتقول: أتعلمين يا غزالة! … أنا متأكدة من أن أمي، وأخوتي لن يقبلوا زواجي بأبي عزو.
تقاطعها غزالة:
لا تقولي هذا، قد يحدث ما لا يخطر لك على بال، ويوافقون! ضحكة ساخرة من بشرى مغلفة بحزن عميق، ترافق كلماتها: لن يوافقوا، أنا أعرفهم، لكنني أتمنى أن يبقى أبو عزو في حياتي، حتى لو لم نتزوج!

قد يعجبك ايضا