كسر القوارير

165

ريمة خطاب| شبكة مراسلي ريف دمشق


في ظل شجرة التين الكبيرة، وقت الضحى حيث لم تكن حرارة الشمس مرتفعة، وضعت أم حسين صينية الشاي بعد أن فرشت الأرض بحصير قديمة.
جلس أبو حسين، وأسند ظهره المنحني من توالي السنين إلى جذع الشجرة العريض.
صبّت أم حسين كأس زوجها وقدمتها له بيديها المرتجفتين، بحكم عمرها المتآكل قد سكنت الرعشة يديها، وهي التي أخذ الزمان من عمرها ما أخذ من القوة.
يرتشف الزوج رشفة شاي ويسأل:أين منار؟ لم أرها منذ البارحة.

إنها في غرفتها منذ صباح البارحة، فبعد أن أخبرتها بموعد عرسها الخميس القادم لابن عمها علي لم تخرج منها، آه يا أبا حسين، ابنتي الوحيدة لن تكون سعيدة في حياتها، فهي لا تريد الزواج بابن عمها، تقول أنها لا تحبه.

اسكتي يا امرأة، علي ابن عمها ويحق له أكثر من الجميع الزواج بها، ليس لدينا بنات ترفض من يتقدم لها، هذه ليست من عاداتنا وتقاليدنا، أنا أعطيت كلمة لأخي أبو علي ولن أتراجع أبداً.

يا أبا حسين، ألا يكفي أننا حرمنا ابننا حسين رحمه الله، لم يبق لدينا سوى ابنتنا منار، لا أريدها أن تتعذب مع زوج لا تحبه.
وبصوت حازم:

اصمتي يا امرأة، ومنذ متى كانت البنات تحب بقريتنا؟!.
منذ متى كنا نسأل البنت إذا كانت تقبل الزواج بالخاطب أو لا تقبل؟! كيف تزوجنا أنا وأنت؟ آباؤنا وأجدادانا..
لا أريد كلاما أكثر في هذا الموضوع، أخبري ابنتك أن تهيئ نفسها ليوم العرس الخميس القادم.
صمتت الأم، وفي عينيها دموع الخيبة إذ أنها وعدت ابنتها منار بأن تطلب من الأب التراجع عن قراره، بعد أن رجتها، وبكت كثيرا.
بغصة وحرقة تخبر الأم منار بتمسك الأب بقراره، وعجزها عن إقناعه بالتراجع عن هذا الأمر الذي سيدمر روح وحيدتها.
تستمر منار بالتوسل لأمها، وقد تهاوت أبراج أمنياتها، وتهدمت أحلامها، وأغلقت جميع أبواب الأمل في وجهها بالتخلص من هذا الزواج الذي سيكون بمثابة موت على قيد الحياة.

أرجوك يا أمي، أقنعي أبي، لا أريد الزواج من ابن عمي، لا أحبه، أرجوك يا أمي، لا تقتلوني بهذه العادات البالية..
ليس ذنبي أنكم تربيتم على هذه العادات، أرجوك (وتجهش بالبكاء).
تحضن الأم ابنتها التي بللت ثيابها بدموع القهر والضعف، أغمضت الأم عينيها:

آه يا بنتي، قلبي ينفطر عليك، مازلت في العشرين من عمرك، ولم تري شيئا بعد من هذه الحياة، نحن مجبرون على الرضوخ لقرار أبيك وعمك، فهما لا يأبهان بقبولك أو رفضك، هما حتى لم يسألا عن رأيك.
تبعد رأسها عن صدر أمها، وبصوت مرتجف حزين:

أمي لا أريد الزواج من ابن عمي، نحن الآن في القرن الواحد والعشرين، لم يعد هناك من يجبر الفتاة على موضوع الزواج، ( لقد ولّى زمن الحيار)، أنا لست صغيرة، وأعرف مصلحة نفسي، لا أريد ابن عمي.

لا يابنتي لم ينته هذا الزمان، نحن نعيش بين أناس اعتادوا أن يزوجوا الفتاة لابن عمها إذا رغب بالزواج منها، ولم يغيروا هذه العادات، وليس مقبولا أبدا أن ترفض البنت خطبة ابن عمها، وإلا سيحدث الكثير من المشاكل..
وقد تفضي هذه المشاكل إلى قتل البنت أو قطيعة أبدية بين الأهل، فمازلت أذكر قصة زواج جدتي من جدي لطالما حكتها لنا أمي رحمها الله..
كانت جدتي عروسا جميلة امتطت ظهر حصان العروس ومن حولها المحتفلين بعرسها..
كانت زفتها لأحد شباب القرية، فجأة جاء جدي وقد حمل مسدسا وجهه إلى السماء وراح يطلق النار، أفزع إطلاق الرصاص المحتفلين، فتفرقوا من شدة الخوف، أنزل جدي العروس من على ظهر الحصان، وصرخ بقوة:

هذه ابنة عمي، عروسي أنا، أنا أولى بها.
ودون اعتراض من أحد، أخذها لبيته، واجتمع الأهل هناك، وحضر أهل العريس ووجهاء القرية، وتم طلاقها من عريسها الغريب، وبنفس الليلة كان عرسها على ابن عمها جدي.
نعم يابنتي هذه العادات قديمة جدا، لن تستطيعي أن تلغيها مهما حاولتِ.

إنه يوم الخميس، يوم عرس منار لابن عمها، وكالشاة كانت مغلوبة على أمرها سيقت إلى حتفها، إلى حيث ستمضي عمرها مجبرة.
لقد رضيت بالواقع الظالم مكرهة، قبلت الزواج بشخص تقضي حياتها معه بدون محبة، ولا رابط عاطفي يجمع بينهما.
منار فتاة مثل الكثير من الفتيات اللواتي فرضت عليهن قوانين العادات والتقاليد، ورضخن لها مرغمات، ودفعن الثمن غاليا، كشخص حكم عليه بالسجن المؤبد دون جرم اقترفه..

قد يعجبك ايضا